الرأي
الحاجة إلى الترفيه!
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
يعد الترفيه من الأمور الضرورية للإنسان والتي يتحقق بوجودها الإتزان النفسي والعقلي والجسدي، وهو فطرة إنسانية، فطرت مع الإنسان الأول، الذي عُلم الأسماء كلها وأسس على أصولها المسالك المعرفية،
ولو زالت هذه الفطرة من الإنسان لانقرض بلا شك، كونه لا يستطيع العيش في حالة من الملل والكبت النفسي، وقد راعت جميع الأديان ذلك وتناقله أتباعها من عصر إلى عصر ومن جيل الى جيل.
والترفيه من الأصول و الثوابت الإنسانية والدينية التي تتغير مع ألوان العصور، فكل عصر له أدواته ووسائله الملائمة له، فقد كانت مواسم الترفيه في العصور المتقدمة تقام بالسباقات والاغاني والرقص واللعب بالعصي والحربات وساحات الشعر والسباحة وغيرها، ومع كل عصر يتقدم تظهر معه نسخ من ما سبق محدثة لعصرها الذي تحمل حضارته، ومنذ بدء الحضارة الاسلامية التي ترتكز على مظاهر الازدهار العلمي والفني والإجتماعي وهي تعتني بالترفيه، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحصر مواسم الأعياد في عصره بصحبة زوجته عائشة رضي الله عنها، وكان يرفعها زورجته لترى الأحباش، ينشدون ويلعبون ويعرضون بالحربات والعصي، وكانت تسمع الأغاني من شابتين من الأنصار كانتا تأتيانها، كما جاء في صحيح البخاري وغيره من الصحاح والحسان، والشواهد على ذلك كثيرة، وكانت تشهد مواسم الترفيه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أماكن للغناء والعرضة والرقص واللعب بالحراب والعصي وحلبات المصارعة والتراشق بقشر البطيخ، ايضا.
وقد شملت الحضارة الاسلامية التي تمثل حقيقة الدين كل أدوات الترفيه المتزن، من دون النظر لخلاف واختلاف المفاهيم البشرية للدين، وليس حقيقة الدين نفسه، ومواسم الترفيه كانت وما زالت وتطورت مع وقتنا الحالي وأصبحت الوسيلة الأمثل لنقل ثقافات الشعوب والتقارب فيما بنها والتآلف، وكل ذلك من المؤمور بها شرعا وعرفا، والمجتمعات لا تجتمع ولا تُجمِع على ما يُخالف الفطرة الإنسانية السوية، فما يقع من غناء ولعب ورقص وسباقات والمصارعة يعد من المباحات المجمع عليها بين الشعوب والمتفق عليها من الأديان، والتي أقرها الاسلام، وجعل لها لونا ساطعا في حضارته، وأما في عصرنا الحالي الذي نرى فيه الحضارة الإسلامية المتمثلة في الحضارة السعودية التي تضرب أطنابها في عالمنا الفسيح برقي علمها وفنها وأدبها، والتي سيخلدها التاريخ، في جانبها الترفيهي ممثلة في (هيئة الترفية) برئاسة معالي المستشار في الديوان الملكي السعودي، تركي آل الشيخ، والتي لها الظهور الأميز والأقوى بين دول العالم في جانبها، ولها تأثير إيجابي على جميع الشرائح المجتمعية الحاضرة والمشاهدة عن بعد، وكانت الوسيلة الحضارية الأمثل في نقل الثقافات بين شعوب العالم، وبينت للعالم أحمع حقيقة الثقافة السعودية المبنية على أسس ثاتبة في التقدم والرقي في شتى مجالات الحياة ونُظُمِها، والاتزان المنهجي في جميع تعاملاتها.
وهذه الثقافة الجديدة واجهت ببسالة جميع أشكال التخلف والرجعية المُحارِبة للسعادة والبهجة والإعتدال والناتجة عن المفاهيم البشرية للدين الإسلامي، والتي كانت تدور حول الحلال والحرام في المفهوم البشري للدين، من دون النظر لحقيقة الدين نفسه، وأظهرت مفهوم حقيقة الدين نفسه، البعيدة كل البعد عن المفهوم البشري للدين المتخالف فيما بينه والمتآكل من الداخل، حيث أن المفهوم البشري للدين يقوم على فهم عينة من أتباع الدين، قد يرون الحلال حراما، بسبب المؤثرات الايدلوجية، مثل مسألة الأغاني واستماعها في الإسلام التي ثبت جوازها بإقرار نبوي وذلك في أحد مواسم الترفيه العيدية في المدينة النبوية حيث كانت عائشة رضي الله عنها تسمع وتنظر لشابتين من الأنصار تغنيان في بيتها وبحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، وفي موسم آخر كان عليه الصلاة والسلام يرفع زوجته عائشة لترى الأحباش وهم يلعبون ويعرضون بالرماح والعصي وكانت في صحبته لهذه المواسم، وهذه الآثار قد ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن زوجته رضوان الله عليها، وقس على ذلك في العديد من المسائل التي لا تعدو عن كونها مفهوما بشريا لا يمثل حقيقة الدين، فالمفاهيم البشرية للدين تمثل أصحابها فقط الذين بنو تصوراتهم ومفاهيميم من خلال المؤثرات الايدلوجية.
وأما في موسمنا الترفيهي العصري والحضاري فقد استبدلت أدوات ووسائل زمان قد مضى بأدوات ووسائل عصرية حديثة تبين ثقافتنا وحضارتنا التي سيخلدها التاريخ في أبهى صفحاته، بعد أن انتصرت على كل المؤامرات والمظاهر الرجعية والوحشية والظلامية.
وإذا نظرنا إلى تسلسل “نظريّة الدافع البشري” لعالم النفس أبراهام ماسلو نجد أن ماسلو لم يخصص الترفيه في فئة منفصلة، ولكن يدمجه ضمن مستويات أخرى على أساس أن الترفيه هو حاجة اجتماعية تتعلق بالاستمتاع والمشاركة مع الآخرين وهم المجموعات الاجتماعية أيا كان نوعها سواء كان ذلك من خلال الأنشطة الترفيهية الجماعية أو الفردية، ويندرج ذلك بشكل أو بآخر ضمن المستويات الثلاثة: الاحتياجات الاجتماعية والتقدير وتحقيق الذات. وفي غياب مثل هذه الاحتياجات يصبح الشخص أكثر عرضة للعزلة الاجتماعية ومن ثم القلق والاكتئاب.
