استراتيجية الاستثمار الرياضي وتسويق المدن والرؤية الوطنية

د. طلال المغربي
د. طلال المغربي

شهد موسم 2024-2025 إنجازات كروية غير مسبوقة عززت من مكانة المملكة الرياضية، وساهمت في إبراز نجاحات الاستثمار الحكومي في هذا القطاع الحيوي. تُوّج الأهلي بلقب بطولة النخبة الآسيوية، وحقق الهلال بطولة السوبر السعودي، فيما ظفر الاتحاد بدوري روشن، في حين تأهل نادي نيوم إلى دوري روشن والدرعية والعلا إلى دوري يلو، ومنافسة شرسة لقادسية ارامكو في البطولات المحلية، بالإضافة لاستمرار نجاح نيوكاسل في الدوري الانجليزي وتحقيقه كأس انجليزي بعد 70 سنه انتظار ومشاركة في بطولة الأبطال الأوروبية للمرة الثانية منذ الاستحواذ السعودي. هذه النجاحات جاءت كثمرة لرؤية طموحة واستراتيجية مدروسة يقودها صندوق الاستثمارات العامة ضمن مستهدفات رؤية المملكة 2030.

الاستراتيجية الرياضية الوطنية برؤية اقتصادية من خلال تملكه لأربعة أندية كبرى سعودية – الهلال، النصر، الأهلي، والاتحاد – ونادي نيوكاسل الإنجليزي، أسس صندوق الاستثمارات العامة قصة نموذج رياضي استثماري يستهدف تعزيز مكانة المملكة عالميًا، ويدعم في الوقت نفسه الناتج المحلي من خلال قطاعات حيوية كالسياحة، الإعلام، التسويق، الاقتصاد المبني على المعرفة والابتكار وتأسيس الشركات الناشئة، والتوظيف.

الاستثمار الرياضي لم يقتصر على جلب البطولات، بل شمل بناء منظومة متكاملة تعتمد على الابتكار، التنوع، والحوكمة، ما جعل من الأندية السعودية منصات اقتصادية ومجتمعية وثقافية بامتياز.

النجوم العالميون أعادوا رسم ملامح الدوري السعودي حيث أصبح روشن السعودي محطة جذب لأسماء كبرى في عالم كرة القدم، الأمر الذي انعكس إيجابًا على صورة المملكة عالميًا، وعلى الاقتصاد الرياضي بشكل مباشر.

فالنادي الأهلي بطل النخبة الاسيوية 2025، يضم أسماء مثل رياض محرز، روبرتو فيرمينو، فرانك كيسيه، إدوارد ميندي، وغابرييل فيغا، في حين يسطع في الهلال كل من ألكساندر ميتروفيتش، سافيتش، روبن نيفيز، ومالكوم. ويمثل الاتحاد بطل دوري روشن 2025 كوكبة من النجوم مثل كريم بنزيما، كانتي، وفابينيو، وديابي أما النصر فيقوده البرتغالي هرقل كرة القدم كريستيانو رونالدو إلى جانب ساديو ماني الحاصل على جائزة سقراط في الخدمة الإنسانية من خلال الرياضة وسفير مركز الملك سلمان للخدمات الانسانية، بالاضاقة الى مارسيلو بروزوفيتش، وأوتافيو.

هذا الزخم ساهم في زيادة الحضور الجماهيري، ورفع مبيعات التذاكر، وتعزيز قيمة الرعايات وحقوق البث، فضلاً عن التفاعل الإعلامي الدولي غير المسبوق.

بعائدات ملموسة: الأرقام لا تكذب حيث تشير تقارير إلى أن قيمة سوق الرعاية في الدوري السعودي تجاوزت 350 مليون دولار في عام 2023، وسط توقعات بتجاوزها 700 مليون دولار بحلول عام 2026. كما أسهم القطاع الرياضي في جذب أكثر من 2.5 مليون سائح دولي حضروا فعاليات رياضية، ضمن إجمالي 27 مليون سائح.

تجربة المملكة في الاستحواذ على نادي نيوكاسل الإنجليزي شكّلت نموذجًا ملهمًا، حيث سجلت مدينة نيوكاسل البريطانية نموًا سياحيًا تجاوز 16% خلال عام، مع إضافة أكثر من 200 مليون جنيه إسترليني للاقتصاد المحلي ومتوقع ارتفاع نسبة السياحة الرياضية مع المشاركة الاوروبية القادمة وهو نموذج يمكن محاكاته.

هذا التأثير في مدينة نيوكاسل يمكن تكراره محليًا، حيث تشهد مدن مثل جدة والرياض وأبها والمنطقة الشرقية توسعًا في ربط البطولات الرياضية بالاستثمار السياحي والاقتصادي واطلاق فرص لرواد الأعمال لتقديم حلول ابتكارية، وخلق فرص عمل جديدة للشباب.

كما بدأت الجامعات السعودية بالاهتمام أكثر في مسارات أكاديمية ومسرعات أعمال رياضية بالتعاون مع منشآت ووزارة الرياضة ووزارة الاستثمار، بهدف دعم الابتكار في مجالات الذكاء الاصطناعي، وتحليل البيانات، وتجربة المشجعين. علما بأن جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن افتتحت كلية جديد في الإدارة الرياضية بمسارات متنوعة لإعداد كوادر رياضية نسائية تناسب المرحلة.

هذا جعل الرياضة منصة جاذبة لإطلاق الاقتصاد الابتكاري والإبداعي عززت النجاحات الكروية من نمو قطاعات متعددة، أبرزها الإعلام وصناعة المحتوى، من خلال البرامج الرياضية والتحليلات الرقمية والبودكاست، إلى جانب تطوير تطبيقات الأندية ومتاجرها الالكترونية، إلى وجود فرص الاستثمار في إنشاء متاحف الأندية مع هيئة المتاحف بوزارة الثقافة، تهدف الى تحسين تجربة السياحة الرياضية.

ضمان استدامة هذا الزخم يتطلب استمرارية في الإنجازات، وتوسيع القاعدة الجماهيرية محليًا ودوليًا، وتنويع مصادر دخل الأندية من خلال المنتجات الرسمية، والعضويات، والرخص التجارية، والعقود الإعلانية. كما تبقى الحوكمة، والتطوير الإداري، والاستثمار في المواهب، عوامل أساسية للحفاظ على تنافسية الدوري وتعزيز مساهمة الأندية في التنمية الشاملة.

أخيراً، إن ما تحقق من بطولات للأهلي والهلال والاتحاد، وتأهل نيوم والدرعية، وعلو اسم العلا وتنافسية القادسية هو شاهد على نجاح نموذج رياضي سعودي جديد، يجمع بين دبلوماسية القوة الناعمة، والعائد الاقتصادي، والتأثير العالمي. ما يحدث في الملاعب السعودية لم يعد مجرد مباراة، بل هو صناعة قصة واستثمار في المستقبل، ورسالة إلى العالم بأن الرياضة في المملكة أصبحت محركًا رئيسيًا للتنمية الوطنية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *