هل نحن حقًا تعساء؟

محمد البكر

في حياتنا اليومية، نختلف كثيرًا في تقييم الأمور التي تحيط بنا، ولعلّ من أبرزها مفهوم السعادة والتعاسة. فبينما يرى البعض أن المال هو مفتاح السعادة، يعتقد آخرون أن الصحة هي الأهم، وهناك من يربط سعادته بالنجاح أو الجمال أو العلاقات الاجتماعية. تعددت المعايير، وكل شخص يرسم لنفسه إطارًا خاصًا لما يعتقد أنه مصدر السعادة أو سبب للتعاسة.

طرحت هذا السؤال البسيط – “هل أنت سعيد؟” – على عدد من الأصدقاء والمعارف، تنوّعت خلفياتهم الاجتماعية والاقتصادية ، منهم من يملك المال الوفير، ومنهم من يعيش بدخل محدود، ومنهم من يتمتع بصحة جيدة، وآخرون أنهكهم المرض، ومنهم المتزوج والعازب. ومع هذا التنوع، جاءت معظم الإجابات مخيبة للآمال؛ إذ لم ألمس في غالبية الردود قناعة حقيقية بما هم عليه.

الثري ينظر لمن هو أغنى منه، والمتزوج يتمنى لو كان عازبًا، والعازب يتوق إلى الزواج، وصاحب الدخل المحدود يتمنى حياة الأغنياء. الجميع ينظر إلى ما ينقصه ويتجاهل ما يملكه. والأسوأ من ذلك، أن أغلب الإجابات تمحورت حول الجوانب المادية فقط: المال، الجمال، والحاجات. حتى الأصحاء منهم، لم يشيروا إلى نعمة الصحة كعنصر للسعادة، بل ركّزوا على ما ينقصهم ماديًا.

ورغم أن هذه العينة لا تمثل المجتمع بأكمله، إلا أن نتائجها تدق ناقوس الخطر حول غياب أهم عناصر السعادة الحقيقية: القناعة. فالغني لن يشعر بالاكتفاء إن ظل يقارن نفسه بمن هو أغنى، والجميل سيبقى غير راضٍ إن وضع نفسه في مقارنة دائمة مع غيره، والفقير سيظل تعيسًا إن لم ينظر إلى من هو أدنى حالًا منه. في المقابل، القناعة وحدها قادرة على أن تمنحنا راحة البال، وتمدنا بالسكينة وتغرس فينا أجمل الصفات.

الاستثناء الوحيد، وربما المبرّر، هم المرضى الذين أنهكهم الألم والمرض، وهؤلاء فقط من يمكن تفهّم شعورهم ومعاناتهم، ونسأل الله لهم الشفاء والعافية.
وقد صدق العرب حين قالوا ” القناعة كنز لا يفنى”.
ولكم تحياتي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *