” الرس ” … مدينة الصمود
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
حين بدأت الكتابة عن مدن القصيم ، اخترت بريدة وعنيزة والبكيرية . مدن أعرفها ، وأعرف أهلها ، وأحمل معها ذاكرة وتجربة ومعايشة . لم يكن الاختيار إقصاءً لغيرها ، بل اقتراباً مما أعرفه أكثر .
لكن بعد النشر ، توقّف عندي صديق ” رسّاوي “، وسأل بهدوء يشبه الرس نفسها : وماذا عن الرس؟
عدت أبحث عنها ، بعين الكاتب الذي يفتّش عن المعنى . فاكتشفت مدينة لا ترفع صوتها ، لكنها حين تُحاصر ، تصمد . مدينة لم تدخل التاريخ من باب الاستعراض ، بل من باب الثبات .
الرس لم تكن مجرد بلدة زراعية قرب وادي الرمة ، بل كانت موقفاً كاملاً حين واجهت الحملات العثمانية . حوصرت ، وجاعت ، وتعبت ، لكنها لم تنكسر . لم تكن بطولة فرد ، ولا اندفاع لحظة ، بل تماسك مجتمع عرف أن الأرض تُحمى بالصبر قبل السلاح .
أعجبني في الرس أنها لم تُكثر الحكايات عن نفسها ، وتركت الفعل يتكلم . مدن تُعرف بالأسواق ، وأخرى بالعلم ، وغيرها بالمبادرات ، أما الرس فتعرفها حين تسأل عن مدينة لا تُؤخذ بسهولة.
أهلها يشبهون نخيلها ، جذور عميقة ، وقفة مستقيمة ، وثمر لا يتعجل الظهور . هدوؤهم ليس ضعفاً ، وصمتهم ليس غياباً، بل ثقة بمن يعرف قيمة الموقف حين يحين .
والرس ، وهي التي عُرفت بالصبر وقت الشدائد ، تعرف اليوم كيف تحتفي بالحياة .، يخرج الفرح من الأرض كما يخرج ثمرها ، ويجتمع الناس حول موسم بسيط في شكله ، عميق في معناه ، ليؤكد أن المدينة التي صمدت يوم الحصار ، تعرف أيضاً كيف تبتسم حين تفتح ذراعيها لتستقبل ضيوفها . ولكم تحياتي
