السعودية 2030: حين يتحول الحلم إلى نموذج عالمي

د. طلال المغربي
د. طلال المغربي

في عام 2016م، أطلقت المملكة العربية السعودية رؤية طموحة، رسمت ملامح امتداد دولة متجددة بمقاييس عالمية. لم تكن الرؤية مجرد وثيقة مكتوبة، بل مشروعًا وطنيًا لإعادة صياغة الحاضر وصناعة المستقبل، ومع صدور تقرير أداء الرؤية السنوي لعام 2024م، تتحدث الأرقام والمنجزات عن قصة نجاح تتقاطع فيها التنمية مع الابتكار، والاقتصاد مع الثقافة، والرياضة مع الهوية الوطنية.

السياحة السعودية: من ضيوف الرحمن إلى ضيوف العالم

لم تعد السياحة في السعودية رحلة روحانية فحسب، بل أصبحت تجربة شاملة تزخر بالتنوع الثقافي والترفيهي والرياضي. ففي عام 2024م، تجاوز عدد المعتمرين من الخارج 16.92 مليون معتمر، متخطياً مستهدفات الرؤية للعام ذاته. كما شهدت حركة الزوار غير المرتبطة بالحج والعمرة قفزة تاريخية، مدفوعة بفعاليات كبرى مثل موسم الرياض الذي استقطب أكثر من 12 مليون زائر، إضافة إلى فعاليات عالمية مثل “فورمولا 1″، و”رالي داكار”، و”شتاء طنطورة” في العلا.

مدن سعودية على خريطة التنافس العالمي

تحولت المدن السعودية إلى علامات تجارية عالمية:

الرياض: عاصمة القرار السياسي وجذب الاستثمارات والمؤتمرات الدولية.

جدة: بوابة الرياضات العالمية.

العلا: وجهة ثقافية فريدة على مستوى العالم.

تضاعف عدد المواقع السعودية المدرجة في قائمة التراث العالمي لليونسكو ليصل إلى ثمانية مواقع، وارتقى ترتيب المملكة إلى المركز السادس عالميًا في مؤشر الحكومة الإلكترونية، مما انعكس على جودة الحياة وسهولة ممارسة الأعمال وانطلاق الأفكار والشركات الناشئة وجذب الاستثمارات. وبرزت أندية مثل نيوم، العلا، والدرعية كنماذج رائدة في الدمج بين الرياضة والتنمية الاقتصادية. هذه الأندية، التي تحمل أسماء مدنها، ساهمت في تسويقها عالميًا، وحققت إنجازات بارزة في مختلف الألعاب والمسابقات، مما عزز دور الرياضة كقوة اقتصادية وسياحية.

الرياضة: قوة دبلوماسية ناعمة

برزت الرياضة كعنصر محوري في دبلوماسية السعودية الناعمة، وفي دعم مستهدفات رؤية 2030. فقد نجحت المملكة في الفوز بملف استضافة كأس العالم 2034، وأطلقت الاستراتيجية الوطنية للرياضات الإلكترونية، التي أثمرت عن تنظيم أول كأس عالم للرياضات الإلكترونية وسط حضور عالمي لافت، وتُوِّج فريق سعودي باللقب بحضور سمو ولي العهد. حيث تعتمد السعودية على الرياضات الإلكترونية كصناعة اقتصادية واعدة ومنصة استراتيجية لتسويق ثقافتها عالميًا، عبر تطوير ألعاب سعودية الهوية تروي القصص المحلية وتعزز الصورة الذهنية الإيجابية للمملكة.

السياحة الرياضية: أثر اقتصادي وتفاعل عالمي

ساهمت الاستضافة النوعية للبطولات العالمية والشراكات مع كيانات كبرى مثلF1 – UFC  والاتحاد الآسيوي لكرة القدم وغيرها، في تنظيم أكثر من 90 بطولة دولية خلال عامين بأثر اقتصادي رياضي.

استضافة سباق جائزة السعودية الكبرى للفورمولا 1 بجدة مثلت منصة استراتيجية لتسويق المدينة عالميًا، حيث جذبت أكثر من 140 ألف زائر خلال ثلاثة أيام، وساهم السباق بأثر اقتصادي مباشر وغير مباشر تجاوز مليار ريال سعودي. كما تم تسويق جدة كوجهة عالمية، وإبراز معالمها البحرية وطرازها العمراني الفريد، إلى جانب تعزيز تجربة الضيافة السعودية بأسلوب عصري وجذاب.

وفي سياق آخر، أعادت السعودية إحياء رياضة الملاكمة عبر تنظيم نزالات كبرى محليًا ودوليًا في السعودية وأمريكا وبريطانيا، مما ساهم في بناء قاعدة جماهيرية جديدة لهذه الرياضة وجذب اهتمام الأسواق العالمية.

تُعد استضافة الأحداث الرياضية الكبرى بجودة عالية من أبرز محفزات السفر وجذب الاستثمارات والرعايات. ومع تصاعد التركيز على الابتكار وريادة الأعمال، تبرز فرص استراتيجية للشركات والجامعات السعودية للمساهمة في المنظومة الرياضية وربطها بأهداف الاستدامة وتوطين المحتوى المحلي وفق رؤية 2030.

الاستثمار في الإنسان: ركيزة مستدامة للنمو

وضعت رؤية 2030 الإنسان في قلب التنمية الشاملة. من خلال برامج الابتعاث إلى أفضل الجامعات العالمية، واستقطاب الشركات العالمية لفتح مقارها الإقليمية بالمملكة، تتعزز تنافسية الاقتصاد وتُوطن المعرفة والتقنية. وقد أسهمت الإصلاحات التشريعية والابتكارات التقنية في رفع نسبة تملك الأسر السعودية للمساكن إلى 65.4%، ورفع متوسط العمر المتوقع إلى 78.8 سنة. كما شهد المجتمع السعودي حراكًا تطوعيًا غير مسبوق، بارتفاع عدد المتطوعين إلى أكثر من 1.2 مليون متطوع، إلى جانب تمكين 38.3% من مستفيدي الدعم للانخراط في سوق العمل مقارنة بـ1% فقط في عام 2017.

ثقة الأسواق: أرقام تشهد

تجلت مرونة الإصلاحات الاقتصادية في تصنيفات ائتمانية متقدمة للمملكة:

موديز: Aa3

فيتش: A+

ستاندرد آند بورز: A/A-1

كما صعدت السعودية إلى المركز 16 عالميًا في مؤشر التنافسية.

السعودية 2030: قصة نجاح تروى للعالم

ما تحقق حتى عام 2024 هو البداية الحقيقية لصياغة نموذج سعودي عالمي في التنمية. رؤية 2030 ليست مشروعًا اقتصاديًا فحسب، بل مشروع هوية وطنية يقوده سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بثقة وشجاعة، ويؤمن به شعب ومواطن يرى أن المستحيل ممكن. واليوم السعودية لا تسوق مشاريع متفرقة، بل تقدم للعالم قصة نجاح وطنية متكاملة؛ قصة وطن يبني مستقبله وينقله للعالم بلغة الطموح، الإلهام، والإنجاز.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *