قهر الرجال… حكاية وجع صامت

حجم الخط |
- A+
- A
- A-
في مشهد لا يُنسى من أحد برامج قناة دجلة العراقية، قدّم الفنان الكوميدي عبد الرحمن المرشدي لحظة إنسانية نادرة تجاوزت الضحك، لتصل إلى عمق الألم. فقد استضاف في إحدى الحلقات رجلاً مسنًا خدم في سلاح الطيران الفني، تحديدًا في صيانة طائرات “السمتيات” العسكرية.
كان الوجع ظاهرًا في ملامحه. جلس بجانبه صديق له يحاول أن يمنع المذيع من سؤاله عن أبنائه، خشية أن ينهار أمام الكاميرا. لكن المذيع طرح سؤاله ببساطة: “هل يزورك أحد من أهلك، وخصوصًا أبناؤك؟”
كان السؤال كرصاصة صامتة. لم يحتج الرجل وقتًا ليرد، فقط قال: “لا أحد يزورني”، ثم انفجرت دموعه.
وبين دمعة وأخرى، أنشد أبياتًا مؤثرة من قصيدة كتبها الشاعر علي لفتة العقيلي، وغناها الفنان علي نعمة:
بيّن علي الكبر والحيل راح الحيل
لا هلي ولا صحبتي ضليت أنا بغربتي
حقي أصب دمعتي وأصرخ وأصيح الويل
وين اللي أحبهم كنت وكانوا يحبوني
من كثر صب الدمع ما أظن يعرفوني
البارحة بالحلم كأني لأهلي رديت
ليت الحلم ما قضى .. ريت أنا ما فزّيت
ليست مجرد قصيدة، بل صرخة رجل أوجعه البعد، وهجر الأبناء، ونكران المعروف.
في كل مرة نلامس فيها الجانب الإنساني من حياتنا، نجد قصصًا لا يمكن تجاهلها.
قصة هذا المسن واحدة منها. رجلٌ أفنى عمره في الخدمة والعمل والتضحية، لينتهي به المطاف وحيدًا، ينتظر زائرًا لا يأتي، وحنينًا لا يُشفى.
المؤلم في الأمر، أن بعض الأبناء يتناسون ما بذله آباؤهم من أجلهم. يعتقدون أن ما هم عليه حق مكتسب، لا جهدٌ بُذل ولا عمرٌ أُفني لأجلهم.
ينسون السنوات الطويلة التي قضاها الأب وهو يعمل بصمت، ليوفّر لأبنائه حياة كريمة، ويصنع منهم رجالًا قادرين على مواجهة الحياة.
إن كان والدك على قيد الحياة، فلا تؤجل كلمة طيبة، ولا تؤخر زيارة، ولا تتردد في تقبيل رأسه ويده.
ليس من البر أن نبرّهم حين يُغادرون، بل البرّ الحقيقي أن يشعروا بذلك ونحن إلى جوارهم.
تذكّر دائمًا أن الأيام تدور، ومشاعر الإهمال قاسية حين تأتيك من أقرب الناس. ولكم تحياتي