خربشة ومغزى

أمريكا.. صدى تاريخ

أحمد الحسين

الخلفية التاريخية لأمريكا وتكوينها وتوحد ولاياتها والعوامل التي جعلت منها قوة قطبية تتربع على نفوذ واسع ضمن عالم اليوم ، له أهمية واعتبار ، واستقصاء ذلك الصدى التاريخي يطول فيه التفصيل ؛ لذا نختصر فقط على إشارات ومحطات مهمة للولايات المتحدة وهي كالتالي :

عام 1800م شُيدت عاصمة فدرالية تسمى “واشنطن” للولايات المتحدة الأمريكية ، التي حصلت على الاستقلال من بريطانيا عام 1776م ، وذلك على مخططات صممها المعماري الفرنسي “بيير لانفان”..
واشنطن لم تمسها حروب إلا أن القوات البريطانية هاجمت أمريكا ، كرد فعل لغزو أمريكا المستعمرات البريطانية في كندا وبالتحديد في تورونتو وأونتاريو، حينها أحرقوا واشنطن عام 1814م ، ودُمَّر البيت الأبيض ونُهب منه أشياء تاريخية كثيرة ، البعض منها مفقود حتى الآن ، والبعض رجع إلى أماكنه كصورة “جورج واشنطن” أول رئيس للولايات المتحدة الأمريكية.

تأسست أمريكا عن طريق ثلاث عشرة مستعمرة بريطانية على طول المحيط الأطلسي ، كان أولها مستعمرة “فرجينيا” ، التي أطلق عليها مكتشفها السير “والتر رالي” هذا الاسم تيمناً بالملكة العذراء “إليزابيت”.

تم للولايات المتحدة شراء إقليم “لويزيانا ” من “نابليون” عام 1803م ، وفلوريدا” تنازلت أسبانيا عنها عام 1819م ، وبعد سلسلة صراعات للولايات الأمريكية مع المكسيك استولوا عام 1846م على “أريزونا” من “تكساس” إلى “كاليفورنيا” التي ظلت أسماؤها إسبانية مثل “لوس أنجلس” و”سان فرانسيسكو” و “سان أنطونيو”.

وخلال ستين سنة عبر إلى أمريكا عشرين مليون أوروبي المحيط الأطلسي ليستقروا فيها ، وذلك بفضل البحرية الشراعية للقرن الثامن عشر التي خلفت البحرية البخارية للثورة الصناعيه الأولى ، هؤلاء الوافدون أغلبهم قدموا من الوطن الأم الإنكليزي ، ومن أيرلندا التي دمرتها المجاعة ، ومن ألمانيا واسكندنافيا، وكذلك الأوروبيون الجنوبيون من إسبانيا وإيطاليا والبرتغال وغيرهم من أوروبا الشرقية : بولونيا وروسيا واليونان .

ولدت الأسطورة الأمريكية بهذا الخليط ، وولد معها تمثال الحرية ، الذي نحته “بارتولدي” وأهدته فرنسا لينصب أمام “منهاتن” عام 1886م . بقيت ولايات الجنوب بين أيدي مزارعين يملكون عبيدا خلاف ولايات الشمال التي كان فلاحوها أحرارا. مصالح الشمال والجنوب دائما متضاربة والعقليات مختلفة . كان أرستقراطيو الجنوب يحتقرون الشمال والعكس بالعكس.

أبراهام لينكولن ، المناهض للعبودية ، أدى انتخابه للرئاسة إلى القطيعة بين الشمال والجنوب ؛ حيث انفصلت عام 1860م الولايات الجنوبية ، وشكلت اتحادا من اثنتي عشرة ولاية جنوبية برئاسة “جيفرسون دايفيس” ، وخلافا لما تقوله المرويات لم يكن رفض العبودية السبب الرئيس للحرب ، ولم يكن الدستور الأمريكي قد نص على هذه الحالة من منح الاتحاديين الحق في الانفصال إلا أن تلك الأزمة بين الشمال والجنوب دفعت إلى حرب طويلة ودامية من 1861م الى 1865م ، 23 مليون من الشماليين مقابل 9 ملايين من الجنوب ، انتصر الشماليون واستقال “جيفرسون” واغتيل “إبراهام لنكولن” عام 1865م على يد متعصب جنوبي وانتصر الاتحاد.

خلفت تلك الحرب ما يزيد على ستمائة ألف قتيل من الطرفين ، على إثرها ألغيت العبودية في كل أرجاء البلاد ، ولكن العنصرية بقيت إلى حين ظهور حركة الحقوق المدنية ، قادها “مارتن لوثر كينغ” ، الحاصل على الدكتوراه في علم اللاهوت من جامعة بوسطن عام 1955م الذي اغتيل عام 1968م.

بقي السكان السود أفقر من أُولئك المنحدرين من أصول أوربية أو آسيوية ، وفي خضم تاريخ الولايات منذ الهجرات الأولى حل بالسكان الأصليين إبادة جماعية واستيلاء بالقوة على أراضيهم ، وذُبح الملايين من “بيسون” الجاموس الأمريكي للاستفادة من لحومها وجلودها ، وهي موارد أولية للسكان الأصليين.

الولايات المتحدة هي أول من طور الأسلحة النووية ، واُستخدمت في اليابان عام 1945م ، وبها انتهت الحرب العالمية الثانية ، هكذا صدى تاريخ في أمريكا الشمالية.
اما أمريكا الجنوبية فهي كذلك دخلت إليها جحافل الغزاة والمهاجرين ، ولهم صنيع بقى أثره إلى اليوم .

والجدير بالذكر – تاريخيا – أن أراضي الأمريكيتين كانت تحتضن قديما حضارات جميلة تُسمى ما قبل الكولومبية (ما قبل كولومبس) لبشر عبروا ما قبل التاريخ على الأقدام مضيق “بيرنغ” ، انعزلوا عن العالم هناك منذ صعود البحر، ولهذا فهم يتحدثون لغات جنوب شرق آسيا ، فكان الشماليون منهم – غالبا – بدوا ، ومن كان في الجنوب شيدوا حضارات زراعية التي منها اختراع البطاطا الأمريكية الهندية والكاكاو والتبغ والكوكا ، وأيضا الذرة والطماطم ، وهذه المزروعات أخذها وتعلمها الغزاة منهم. تلك الشعوب القديمة منهم – مثلا – شعب “المايا” ، وهم إحدى تلك السلالات الأصلية ، التي تدهور حالها عند وصول الغزاة الأسبان ، وغالبيتهم يعيشون في “غواتيمالا” في مدن تشبه ما عند الإغريق ، وكذلك “الآزتك” ، الذين عملوا ما يشبه ما فعله “آشور بانيبال” في بلاد الرافدين ، ومنهم ما يسمى شعب “الإنكا” ؛ حيث بنوا في أمريكا الجنوبية إمبراطورية من “الإكوادور” الحالية إلى “شيلي” مرورا “بوليفيا والبيرو”، وكانت هندستهم فرعونية الطابع تمثلت بأشكال القلاع والطرقات والمعابد، ومن آثار المايا والآزتك ، أيضا وجدت كذلك أهرامات .

الغزاة الإسبان والأوربيون هيمنوا بظلمهم على السكان الأصليين وطمسوا ماضيهم المجيد ، وظلت هذه الشعوب تتوارث إلى اليوم ، وما بقي من تاريخهم إلا لغات محلية (الايمارا والكيشوا) ، وبعض المعتقدات الشعبية ، وبعضهم أصبحوا كاثوليكيين وإسبان والكثير منهم يتكلمون الإسبانية ، هذا هو صدى تاريخ مضى وانتهى ، والتعلم منه وأخذ الدرس والعبرة هي ما يفعله الحكماء في الحاضر ، وكما قيل “الحاضر أعمى ما لم يُعرف الماضي “.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *