الرأي

جهاز الموساد الإسرائيلي والأجهزة الأمنية العربية

عبدالله البراق

باحث وكاتب في الشؤون السياسية والأمنية

نتابع ما يدور في منطقة الشرق الأوسط وفي أذهاننا العديد من التساؤلات بسبب ما يقوم به الكيان الصهيوني من اعتداءات عسكرية غاشمة على بعض دول المنطقة بشكل واضح، وكذلك ما يقوم به بشكلٍ غير واضح من إثارة للفوضى وزرع شبكات التجسس وإنشاء خلايا التخريب والإغتيالات، وإدارة فوضى التوحش عبر المنظمات الإرهابية والجماعات الخارجة عن القانون التي لوكالة الإستخبارات الإسرائيلية (جهاز الموساد الإسرائيلي) التأثير الكبير في توجيهها وتحويل بوصلتها لإضعاف قوى المنطقة المحيطة و إيجاد خلل في بنيتها التحتية والمدنية.

وهذا التساؤلات في موازين قوى المنطقة، وكيف تدور الأحداث فيها وعن مسالكها، جعلنا نقف أمام أمر في غاية الأهمية، وهو النظر في الأدوات الأساسية المعنية التي يرتكز على أدائها مسرح الأحداث في المنطقة للعمليات العسكرية، وإلى كيفية عملها وأدائها ، ونتائج هذا الأداء، ليتسنا لنا فهم جزء كبير من ما يدور حولنا في المنطقة، وتنحصر هذه الأدوات في جهاز الموساد الإسرائيلي والأجهزة الأمنية العربية، فهناك فروقات كبيرة بين الفريقين، من حيث تأسيسها وبنائها ومبادئها وعملها، فجهاز الموساد الإسرائيلي يعمل بطريقة مختلفة، منبثقة من هويته القديمة التي مرت بالعديد من المراحل إلى أن وصلت للجيل العصري الحديث.

فتذكر المصادر أن جهاز الموساد الإسرائيلي قد شق طريقه قبل تأسيس الكيان الصهيوني، وكان أحد أهم الأذرع لعصابات الهاجناه، في ثلاثينيات القرن الماضي، خلف مسمى (موساد لعلياه بت) و كان معنيّ بمهمات التهريب والإغتيالات والسرقة والإتجار بالبشر، وتكوين شبكات التجسس للعملاء المزدوجين وكثير من الأعمال الغير مشروعة، وتحولت منظمة موساد لعلياه بت المحظورة دوليا إلى جهاز إستخبارات للكيان الصهيوني بعد تأسيسه سنة 1949م وأصبحت وكالة للإستخبرارات الإسرائيلية، و المسؤول عن العمليات الخارجية للكيان الصهيوني، ومنذ تحولها إلى وكالة للاستخبارات الإسرائيلية وهي تعمل بنفس الهوية القديمة، هوية المنظمة الغير شرعية، العدائية والخارجة عن القانون والعدالة، والتي من أهم مبادئها (أن الأصل في العلاقات العداء مالم يثبت العكس) فهذا المبدأ العدائي، هو المشرعن الأول لهذه المنظمة لممارسة أعمالها الغير مشروعة من تأسيس شبكات للتجسس وزرع خلايا للإغتيالات والتخريب وتداول المعلومة وعكسها لغرض إثارة الفوضى في دول المنطقة، والإستباقية في رد الفعل من دون فعل في الأصل، وقد طالت الممارسات الغير مشروعة للمنظمة الغير شرعية حتى الدول الحليفة للكيان، ففي عام 1985م قام الموساد الإسرائيلي بالتجسس على وزارة الدفاع الأمريكية وقام بتمرير معلومات حساسة عن طريق يهودي الديانة وأميركي الجنسية جونثان بولارد (العميل المزدوج) وقد حكم عليه بالمؤبد على أثر ذلك، وكذلك القارة الأفريقية طالتها هذه الممارسات وأصبح للكيان الصهيوني تأثير في بعض قرارات الدول فيها، وتعد بعض الدول العربية وبعض دول القارة الأفريقية وإيران مرتعا لجهاز الموساد الإسرائيلي، وأعمال الإغنيالات والتجسس والتخريب فيها، فهي أشهر من أن تذكر وأكثر من أن تحصر وسيطول بها المقال.

ولا تزال هوية المنظمة المحظورة التي ليس لها حدود في التعامل، تسيطر على هوية وكالة الإستخبارات الإسرائيلية، بجيلها الحديث وأدواته العصرية، وبمبادئها وأهدافها وكيفية سير عملها من مهام خاصة وتجنيد وتدريب بطرق وأساليب خطيرة، وقد ذكر ذلك العديد من الجواسيس المجندين السابقين لجهاز الموساد الإسرائيلي في مذكراتهم وعلى رأسهم الجاسوسة الإسرائيلية (أورنا كلاين)، التي أظهرت لنا كمدقيين في الشؤون الأمنية والإستخباراتية، أننا أمام أدارة للتوحش والفوضى، تحتاج إلى وقفة حازمة وجادة لإنشاء وحدات خاصة ذات تدريب عالي ومعرفة في كيفية تفكيك شبكات التجسس والخلايا النائمة للموساد الإسرائيلي، ومكافحته بشكل عام.

وفي المقابل نجد أن بعض الأجهزة الأمنية العربية قد فشلت في التصدي لشبكات الموساد التجسسية، وخلاياه التخريبية التي طالتها، ولو تحدثنا في تفصيلها لطال بنا المقال، والتي من أشهرها حادثة الجاسوس الإسرائيلي في سوريا (إيلي كوهين) وفي الوقت الحالي تزداد الخطورة في هذا الجانب، وتنقسم الأجهزة الأمنية العربية في هذا الصدد إلى قسمين: فالأول لا يملك المعرفة في كيفية التعامل الأمني المطلق ولا التوعية والتحصين من الإختراقات ويعد مستواه الأمني متدني جدا بين الأجهزة الأمنية العالمية من حيث الإمكانيات والكوادر، وأيضا على متدني على مستوى العوامل التي يمر بها من التعددات الدينية والعرقية، فتجده مهترءًا ومخترقا من الموساد الإسرائيلي، وأي إتفاقية أمنية معه يترتب عليها رسم خارطة أمنية عربية تعد خطرا، لأنها على مسرح مكشوف أمام الموساد الإسرائيلي،، ولأن هذه الأجهزة الأمنية أيضا تفتقر للمعرفة في كيفية الدفاع فضلا عن المكافحة وتحتاج لإعادة تعيين الهيكلة، وتطوير الفرد وإحداث وحدات خاصة لمكافحة الموساد وليس الدفاع فقط.

وأما القسم الثاني من الأجهزة الأمنية العربية فمنهم مدافع ويصعب اختراقه من الموساد الإسرائيلي، بسبب صناعة الفرد والتوعية والتحصين والمعرفة في كيفية التعامل مع الإختراقات وشبكات التجسس وخلايا التخريب، كالأجهزة الأمنية الخليجية، ومنهم من هو مدافع ومكافح أمام الموساد الإسرائيلي، كالأجهزة الأمنية في السعودية ودولة مصر التي تعمل دائما بشكل استباقي لشبكات التجسس وخلايا التخريب، وتعد حصنا منيعا أمام الموساد لا يستطيع القرب منه فضلا عن اختراقه، وعلى ما أظن أن جهاز الإستخبارات العربي المصري من الأجهزة القليلة جدا في العالم الذي لديه وحدات خاصة لمكافحة الموساد وملاحقته داخل مصر وخارجها وتفكيك خلاياه وشبكاته التجسسية، وكانت الخيط الأول في كشف الجاسوس الإسرائيلي في سوريا (إيلي كوهين) عام 1965م.

ولذلك نرى تأثير جهاز الموساد الإسرائيلي في أماكن محدده في المنطقة، والتي على أثرها يقوم الكيان الصهيوني بعملياته العسكرية، فالكيان لا يقوم بعمل عسكري مبني على معلومات استخباراتية إلا لأحد أمرين، إما لعدم قدرته على إتمامه عن طريق خلايا الاغتيال وشبكات التخريب، أو لعدم كشف أوراقه من شبكات تجسس وغيرها في محيط العمل، وبعد معرفة هوية جهاز الموساد الإسرائيلي وعمله كمنظمة خارجة عن القانون والعدالة، فلا بد للأجهزة الأمنية العربية من إنشاء وحدات خاصة تعمل ليل نهار وبلا كلل ولا ملل وبإحترافية عالية على مكافحة منظمة موساد لعلياه بت ومطاردتها وتفكيك شبكاتها التجسسية وخلاياها التخريبية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التخطي إلى شريط الأدوات