سواليف

حين تتحول الواجهة البحرية إلى واجهة تجارية

محمد البكر

كاتب وصحفي سعودي، نائب رئيس التحرير السابق في صحيفة (اليوم) السعودية، معلق رياضي سابق.

بعد المتابعة المكثفة لمقالي السابق ” كورنيش بلا رمل .. شاطئ بلا روح ” ، كان لا بد من الكتابة عن مشكلة تضاعف المساحات المخصصة للاستثمار في الواجهات البحرية على حساب المساحات المخصصة للتنزه والأستمتاع ، كما هو الحال في الواجهة البحرية في ” الخبر”. ولعل الخبر ليست وحدها ، فمدن ساحلية أخرى تسير في الاتجاه نفسه .
ومع أن هذا التوجه بلا شك يسهم في تحريك الاقتصاد وخلق فرص عمل وتنويع مصادر الدخل ، إلا أنه في الوقت ذاته يطرح تساؤلاً مشروعاً : أين يجد المواطن وعائلته متنفساً مجانياً يقضي فيه وقته !؟ ناهيك عن التشوه البصري الذي تتركة تلك المباني الخرسانية الممتدة على طول تلك الواجهات . ولعل ما يحدث في الواجهة البحرية ” منتزه الأمير فيصل بن فهد ” بالخبر ، لأكبر دليل على ذلك . فبعد أن كانت تلك الواجهة أحد أهم المعالم السياحية والترفيهية للزائر والمقيم ، أنتشرت فيها الكتل الخرسانية لمشاريع متشابهة ، وكأن المدينة تنقصها المساحات التجارية .

التوازن بين الاستثمار والتنزه العام ليس ترفاً ، بل ضرورة لتحقيق مفهوم التنمية المستدامة وجودة الحياة التي تسعى إليها – رؤية 2030- . فالمواقع الحكومية لا تُعد فقط أصولاً اقتصادية ، بل هي أيضاً مساحات عامة يجب أن تراعي احتياجات الناس اليومية ، خاصة للمواطن الذي يسكن في شقة صغيرة هو وأسرته . فحين تختل المعادلة يخسر الاقتصاد صورته الجميلة ، وتفقد المدينة روحها .

الحل ليس في إيقاف الاستثمار، بل في إدارة ذكية تحقق التوازن . تخصيص جزء من كل موقع للمشروعات الاستثمارية بما لا يتجاوز ما نسبته 25% من المساحة الإجمالية ، وجزء آخر مفتوح لعامة الناس ، وليس كما يحدث في واجهة الخبر التي قاربت ما نسبته 45- 50% من المساحة الكلية . وكلنا يعلم بأن رؤية المملكة بُنيت على مصلحة المواطن قبل كل شيء . ويمكن للمستثمرين في الوقت نفسه ، المساهمة في تطوير المرافق العامة مقابل حق الانتفاع ، فيتحقق التكامل بين القطاعين العام والخاص والمجتمع .

إن المدن التي تنجح عالمياً ليست تلك التي تبني الأبراج والأسواق ، بل التي تتيح لمواطنيها التنفس بحرية بينها . فالمساحات المفتوحة ليست فراغاً يمكن استثماره ، بل رئةٌ للمدينة وحياةٌ للناس . ولعل ما يحدث في الواجهة البحرية بالخبر نموذج يحتاج إلى مراجعة قبل أن يتكرر في مدن أخرى . ولكم تحياتي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التخطي إلى شريط الأدوات