الرأي
مركز ابن ادريس وجمعية إرثنا… تفعيل النشاطات الثقافية في المناطق
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
أتاحت ليّ دعوة كريمة من الأخوين الأديب زياد الدريس، والأكاديمي عميد كلية اللغات والترجمة بجامعة الملك سعود سابقًا الدكتور فايز بن علي الشهري حضور ندوة ثقافية بعنوان من: “القرية للعالم كيف نعزز ونعتز بهويتنا؟” نظمها مركز “عبدالله بن ادريس الثقافي” بالتعاون مع جمعية “ارثنا التاريخي” بتنومة.
أقول أتاحت ليّ هذه الدعوة الكريمة وللمرة الأولى زيارة جزء غالٍ من وطننا الكبير المملكة العربية السعودية، فغادرتُ مدينة أبها البهية عاصمة المنطقة متجهًا إلى تنومة، برفقة أحد شبابها الطموحين، التي تبعد 125كم عن العاصمة مرورًا بمناطق لا تقل جمالًا وروعةً عن أبها أو ما شاهدته في تنومة نفسها، مثل: مناطق بالحمر وبالسمر الكرام.
ومدينة تنومة المحاذية لمدينة النماص المشهورة تمتاز كما بين الدكتور عبدالله العمري، أستاذ الجيولوجيا بجامعة الملك سعود، بتنوع طبيعي فريد، وتكوينات صخرية لافتة، مما يجعلها أحد أبرز الوجهات السياحية الجيولوجية في المملكة. وتحتضن جبالها -كغيرها من جبال السروات- العديد من الكنوز الطبيعية المرتبطة بالمعادن النفيسة، وأعطاها موقعها على طريق “الحاج اليمني”، تاريخًا تجاريًا لافتًا، فكانت محطة للتبادل التجاري مع الحجاج، في المؤن والسلع الأساسية.
في هذا المكان الجميل عُقدت الندوة لمدة يومين بحضور لفيف من الباحثين من مختلف مناطق المملكة تدارسوا فيه بشكل شفاف وجاذب محاور عدة عن عنوان الندوة، هي: الجذور، والتحديات، والانفتاح، والمستقبل. وقد لفت نظري في هذه الندوة عدة أمور، أهمها:
1- التنوع في المشاركين وتعدد خلفياتهم العلمية من مؤرخين واجتماعين وأدباء ومهندسين في العمارة وتخطيط المدن وكذلك في التقنية الحديثة الحاسب الآلي، ومهتمين بالآثار والتراث، والأدب وغيرها. فكانت الندوة -كما لمستُ- متنوعة شفافة مثمرة في نقاشاتها وتوجهاتها، فيتنقل الحاضر من: التاريخ إلى الاجتماع (العادات والتقاليد) إلى المدن الذكية (إجابياتها، وسلبياتها) والتقنية الحديثة والأدب ودورهما في الهوية. وكل هذه المشاركات خصوصًا التي سعدتُ بحضورها أُعِدَتْ بشكل جاذب وممتع رغم العلمية الصارخة التي قد تصيب السامع بالملل، إلا أن نجاح المشارك في طرح موضوعه بأسلوب سلس وجذاب كان بالنسبة ليّ ممتعًا ولافتًا. والشفافية في الطرح والنقاش بين الحضور والأخوة الباحثين، والإيمان أن الاختلاف لا يفسد للود قضية، من مبدأ أن الاختلاف لا يعني الخلاف.
2- أسلوب ابتدعه (من البدعة) الأديب زياد الدريس (لعل إياهم يستلمونه بسهامهم كما استلمنا في أيام خلت) فاسماه “خلاصات”، وتتمثل في تقديم الأخوة رؤساء الجلسات نبذة لا تزيد عن خمس دقائق لما طُرح من آراء ومقترحات من المشاركين في أثناء رئاستهم لهذه الجلسات، وهي فكرة في تصوري جدًا جميلة وجاذبة، والمثير أن الأخوة الرؤساء لم يتقيدوا بفكرة “أبن ادريس” فجاءت مداخلاتهم مخالفة للفكرة والهدف، ولعلهم يتقيدون بها عند نشر مشاركات الندوة.
3- التفاعل الواضح من أهالي المدينة وسكانها، فأظهروا كرمهم وحسن استقبالهم وتفاعلهم مع الفعالية.
ولعلي في الواقع أشد على أيدي المنظمين الذي نجحوا إلى حد كبير في تنظيمهم لهذه الفعالية الناجحة، وكم أتمنى أن ينال مركز ابن ادريس -مع أنه من حرمة بمحافظة المجمعة- وجمعية إرثنا في تنومة فرصة من وزارة الثقافة في تكليفهما تنظيم فعاليات مشابهة، أو منحهما فرصة الدخول في منافسات تنظيم الفعاليات الثقافية والاجتماعية، فرغم بساطتها إلا أنها أدت هدفها (خصوصًا النشر)، فعوضَا عن اكتفاء الوزارة تكليف شركات تجارية تنظيم هذه الفعاليات أتمنى أن تجرب الوزارة مع هذين المركزين تنظيم فعاليات مماثلة، وأنا على ثقة أنهما سيؤديان المهمة على الوجه الأكمل، بل ستكون مخرجات هذه الفعاليات واضحة للمجتمع والوطن، بعيدًا عن تلك الجهات التي أضاعت مغزى الندوات والمؤتمرات بأنها تتجنب الحساسية الاجتماعية والدينية والسياسية، فأصبحت مؤتمرات أقرب إلى رياض الأطفال: تصوير وأكل وجلسات فارغة.
ولا أود إيضاح الفارق بين الفعاليات المنظمة من جهات حكومية ومنها وزارة الثقافة، وهذه الفعالية، لأنهم “مثل هذوليك زعولين”، وحنا ما نبيهم يزعلون.
الأمر الأخير الذي يجب أن اشيد به هو: تطبيق المنظمون لفكرة قد أشرتُ إليها قبل أسابيع بضرورة تفعيل النشاطات الثقافية في المناطق السياحية، مثل: أبها، والعلا، والطائف، وغيرها. فقد كانت فعالية تنومة ذات جذب سياحي واضح لاقت الاهتمام من أهلها والضيوف الكرام.
فالشكر أولًا للأخوة في مركز بن ادريس الثقافي، وجمعية إرثنا، والشكر موصول إلى الأمير تركي بن طلال أمير منطقة عسير، ومحافظ تنومة، وكل العرفان لأهلها الكرام خصوصًا رجال أعمالها لرعايتهم للفعالية ومشاركتهم الواضحة وهم كثر أخص منهم الوجهاء: علي بن مشعوف الشهري، وعلي بن سليمان الشهري ومعالي عبدالله ملفي نائب وزير الخدمة المدنية السابق، ولأهالي المنطقة الكرام الطيبين الصابرين على ضعف الاتصالات ومحتسبين عند الله على وزارة الاتصالات المبتعدة عما يهم الناس إلى الإضرار بهم.
