في زمن التصعيد.. أين الإعلامي السعودي في المشهد.. حيث نحتاج إلى صوت يُحلّل لا يُعلّق..!

حجم الخط |
- A+
- A
- A-
بقلم: خالد الباتلي *
في زمنٍ تتشابك فيه السياسة بالاقتصاد، وتذوب فيه الحدود بين الخبر والتحليل، تبرز الحاجة الماسة إلى إعلامٍ وطني لا يكتفي بنقل الحدث، بل يُفسّره، ويُعيد صياغته، ويقرأ ما وراءه. لقد بلغنا مرحلة لم يعد فيها الخبر كافيًا. بل صار السؤال الحقيقي:
من يفهم هذا الخبر؟ ومن يملكه ليشرحه للناس بوعي؟
لننظر إلى ما يجري اليوم بين إيران وإسرائيل، هذه الأزمة المتفجّرة التي يراقبها العالم وتتناولها كل القنوات الدولية الكبرى.
اسأل نفسك: كم صوتًا سعوديًا ظهر على الشاشات العالمية لتحليل ما يجري؟
كم خبيرًا سياسيًا سعوديًا استُضيف ليفسّر موقف المملكة، أو يشرح أثر هذا التصعيد على أمن الخليج والمنطقة؟
الإجابة موجعة: حضورنا الإعلامي الدولي لا يوازي وزننا السياسي ولا موقعنا الجغرافي ولا مركزنا القيادي.
في وقتٍ تتحدث فيه عشرات القنوات الأجنبية عن الخليج، يندر أن نجد محللًا سعوديًا يُستضاف كـ “مرجع” لا كـ “تعليق”.
وهذا خلل جوهري في بنية الإعلام السياسي الوطني.
والأمر ذاته يتكرر في الاقتصاد. في كل مرة تصدر فيها قرارات من أوبك+ أو تُناقش أسعار النفط في الصحف الاقتصادية العالمية، يظهر خبراء من واشنطن، أو لندن، أو دبي، يفسرون ما يجري.
أما الخبراء السعوديون، فهم ـ غالبًا ـ غائبون، أو غير مؤهلين للحديث بلغة تفهمها الأسواق.!
مع أن السعودية هي اللاعب الأهم في أوبك، إلا أن إعلامها لا يواكب ثقلها… هل يُعقل أن نكون أصحاب القرار، ولا نكون أصحاب التفسير؟
كذلك في المؤتمرات الصحفية واللقاءات الوزارية، غالبًا ما نسمع أسئلة نمطية، لا تُحرّك الساكن ولا تُفجّر قضية.!
ما نحتاجه ليس فقط صحفيين “ينقلون”، بل إعلاميين يصنعون الأسئلة، يعرفون متى يصمتون، ومتى يضغطون، وكيف يفتحون الملفات المغلقة بسؤالٍ جريء واحد.
سؤال يُحدث وعيًا، أو يُشكّل منعطفًا، لا مجرد ملء وقت أمام المايكروفونات.
بنظرة تأملية من الميادين الدفاعية، إلى التمارين العسكرية، إلى مناطق الطاقة، وحتى الأزمات الإقليمية… نفتقر إلى الإعلامي الميداني الذي يتنفس الحدث ويصنع أثره من الداخل.
المراسل الذي لا ينتظر البيان الرسمي، بل يُشكّله من قلب الأرض.
والنتيجة: ضعف في التغطية، وتأخر في الزخم، وغياب للرواية السعودية.
ومع صعود الإعلام الجديد، تغيرت قواعد اللعبة. لم تعد القصة الطويلة تحتمل. فالخبر اليوم يُصاغ في 15 ثانية، والتأثير يُبنى بـ كلمة ذكية واحدة.
لكن حتى في هذا الفضاء، رغم وجود كفاءات فردية لافتة، إلا أن المؤسسة الإعلامية لم تستثمر بعد في صناعة محتوى سياسي واقتصادي مؤثر، يُنافس، ويصل، ويُفرض على الرأي العام الإقليمي والدولي.
كل هذا لا يُعالج بالاجتهاد الفردي، بل يتطلب مشروعًا وطنيًا تقوده وزارة الإعلام بالشراكة مع وزارة الخارجية: لتأهيل محللين سياسيين ينطقون باسم الوطن بثقة واحترافية ، ومع وزارة الطاقة: لصناعة خبراء إعلاميين يفهمون لغة النفط والأسواق.
كذلك وزارة الدفاع، أمن الدولة، والاستخبارات: لتقديم رواية أمنية دقيقة، ومواجهة الحملات الإعلامية المعادية بصوت سعودي موثوق.
هذا المشروع يجب أن يستهدف صناعة محللين سياسيين واقتصاديين. لتأهيل إعلاميين ميدانيين بقدرات تحليلية. من أجل تمكين كوادر شابة في الإعلام الجديد لإيصال الرواية السعودية إلى العالم.
نحن بحاجة إلى من يفسر موقف الدولة، لا من يصفه فقط.
إلى من يصنع وعيًا سعوديًا عالميًا، لا من يكتفي بقراءة نشرة الأخبار.
نحتاج إلى صوت يوازي الثقل السياسي والاقتصادي للمملكة، ويحمل لغتنا، وفكرنا، وأسلوبنا، إلى طاولات النقاش الدولي.
إن مشروع تأهيل إعلاميين سعوديين متخصصين في السياسة والاقتصاد والأمن، ليس ترفًا مهنيًا ولا مبادرةً موسمية، بل هو مشروع دولة، ينبغي أن يُبنى برؤية استراتيجية بعيدة المدى، لا تُدار بالعقلية التقليدية ولا تُحبس في أروقة الأكاديميا النظرية.
لقد أثبتت التجربة أن الجامعات، رغم كثافة البرامج الإعلامية فيها، لم تنجح في صناعة منتج إعلامي سعودي قادر على المنافسة دوليًا، ولم تخرّج كوادر تملك لياقة الخطاب السياسي أو التحليل الاقتصادي أو الجرأة المهنية.
ولهذا، لم يعد من المجدي أن نعوّل على المسارات التعليمية وحدها، بل لا بد أن يُنقل هذا الملف إلى مركز وطني مستقل ومتخصص، يُدار بشراكة مؤسسية بين وزارة الإعلام ووزارات الدولة السيادية، ويُمنح كل الأدوات والدعم لصناعة جيلٍ جديد من الإعلاميين:
يفهم الواقع، ويخاطب العالم، وينطق بلسان وطنه بثقة واقتدار.
إننا اليوم لا نواجه أزمة إعلام، بل نواجه فراغًا في التمثيل الواعي والصوت السعودي المحترف…
والفراغ في الإعلام لا تملؤه سوى الدول الأخرى، بأصواتها، وسردياتها، ومصالحها.
ولذلك، فإننا إن لم نبادر بخلق إعلام يحكي قصتنا،
سيحكيها غيرنا… ولكن بطريقته.!
*كاتب اعلامي سعودي