متلازمـة المقهى: نَصّ برائحة الاسبريسو

حجم الخط |
- A+
- A
- A-
أجلس في زاوية المقهى، في أعمق نقطة تلتقي فيها أبعاد المكان، رائحة الإسبريسو تعبق في الأجواء، إنها الرائحة السحرية التي تتجول بثقة، معانقة مناخ المقاهي، وتتغلغل في أمزجتنا بأعجوبة، لتبعث في دواخلنا إكسير الاطمئنان، هنا، لا يكون المقهى مجرد مكان للجلوس، ولا طقساً ترفيهياً، ولا محطة نتزود فيها بوقود من الكافيين ونمضي، بل مشهد سينمائي متكامل التفاصيل، تجربة حسية وروحية، مثقلة بكم كثيف من الحركات، الإيماءات، وحتى الصمت.
قرأت ذات يوم عن “متلازمة المقاهي”، وكيف يرتبط جو هذا المكان بالكتابة، وكيف توقظ أصوات الملاعق، ورائحة البُن، وهمسات وضحكات الغرباء في خلفية المشهد قريحة الكاتب، وتدفعها لأقصى مراحلها الإبداعية. ولعل هذا ما فعله نجيب محفوظ، حين اتخذ المقاهي ملاذاً للأفكار ومأوى للإبداع، حين كان يجلس هناك يكتب، وينغمس، ويراقب، كان يطل من نافذة المقهى على العالم، ويحاول فهم ما يختلج بدواخل البشر، كان المقهى مسرحاً تتداخل فيه أدوار مئات الممثلين، ممن يرتجلون الحياة والحوارات والقصص والنهايات.
يا لعمق المقاهي! تبقى هي العُزلة الأجمل، الهدوء الصاخب، مزيجاً فريداً من الحضور والغياب، الضجيج والصمت، جلسات الكثافة الفكرية، حيث تضمحل في حضرة المقهى كل العوالق والترسبات الناتجة من العيش وسط أكوام الروتين والاعتياد اليومي.
المقاهي هي سيدة الإلهام الأولى، وأحد محركات الكتابة الإبداعية، أن تجلس في المقهى يعني أنك تعيد إشعال شرارة الإلهام في روح الكاتب بداخلك…عبر فنجان قهوة.
ألقِ بنفسك في قلب المقهى عندما تنشد إلهاماً، وعندما تضيق ذرعاً، ألقِ بنفسك ولا تكترث، اقرأ كثيراً، وأكتب كثيراً، وستتجلّى جميلاً. اندمج، فكر، واسمح لسيل أفكارك بالتدافع، لا تخف من الغرق، لم يمت أحد من الغرق في خضم أفكاره.