السعادة.. رحلة بلا خرائط

سجى آل رحمه

مامعنى السعادة؟ وكيف يمكن للمرء أن يكون سعيداً؟ هل نولد بها أم نعيش بحثاً عنها طوال العمر؟ نمضي في حياتنا محاولين فك شفرة هذه التساؤلات ونحفر أعماقنا بحثاً عن جواب مطمئن.

سابقاً في الماضي، كنت أتصور بأن السعادة تعني أن تكثر من حشو الضحكات بين سطور يومك، وأن تشرق من عينيك ألف شمس لا تغيب، وأن تمرّ بك الحياة دون تعقيدات أو مفاجآت تُعكّر صفو يومك، كما لو أنك تعيش على هامش صفحة الحياة البيضاء، حيادٌ ناعم بلا نكد، بلا صخب.

أتذكّر، ذات مساء، كنت أجلس مع قريباتي في جلسة عائلية، تجوّل بصري بينهم، لا أبحث عن شيء، لكنني وجدت نفسي أقرأ ما وراء الملامح، وما خلف الوجوه.

إحداهن تضحك من أعماقها، أسنانها البيضاء تلتمع كالشفق في سماءٍ صافية، أكاد أجزم بأنها سعيدة جداً ولايعكسر صفوها شيئاً، وأخرى تكتفي بابتسامة باهتة، وثالثة ترسم ملامح محايدة، وجهها كصفحة ماءٍ راكدة، بلا حراك. يومها انبثق سؤال من أعماقي، قطع سكوني:”ونحن كيف نصنف أنفسنا؟ من نكون وسط كلّ هذه التصنيفات؟”

لعل من السهل أن نُصنف الآخر، فقد اعتدنا على قولبة البشر في قوالب مريحة تسهّل علينا فهمهم والتعامل معهم، لكن حين تقف أمام مرآة دواخلك، وتحاول تصنيف كينونتك، يصبح الأمر أكثر تعقيداً، أشبه بلغزٍ تلاحقه علامات استفهام وتعجّب.

بعد سنوات من البحث المضني عن حل أحجية السعادة بدأتُ أستشعر يقيناً مختلفًا:

السعادة ليست حالة دائمة، ولا شعوراً مستقراً، إنها ومضات، لحظات خاطفة، تمرّ وتغيب، ولكنها حتماً ستعود، فقط كُن مستعداً لأنتظارها في موعدها القادم.

كما أن السعادة الكاملة، المطلقة، وهمٌ من صنع الخيال، وأن سر السعادة الحقيقي يكمن في وجود المعنى، في أن يكون لوجودك غاية، صدقني لا شيء أشد مرارة من أن تعيش في كومة أيام بلا معنى، تخيل فقط مقدار الخواء الذي سيسكنك حينها.

يقول الدكتور فيكتور فرانكل مؤسس العلاج بالمعنى: “أن أعظم مهمة لأي شخص تتمثل في أن يجد معنى في حياته”

وهكذا نظل نسير في دروب الحياة نبحث عن جواب لسعادتنا لكننا ندرك بأنها  ليست وجهه بل رفيقة الرحلة التي تباغتنا وتختفي احياناً، ولكننا على يقين بأنها تنتظرنا في نهاية المطاف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *