من مكتبة أمي بدأت الرحلة

حجم الخط |
- A+
- A
- A-
لم أكن أستطيع إخفاء فضولي عندما كنت طفلة في السادسة من عمري، وأنا أتسلل إلى مكتبة أمي الصغيرة، أحاول قراءة وتهجئة عناوين كتبها. أتذكر جيداً أن النصيب الأكبر من كتبها كان يدور حول القصص والروايات الأدبية، والكتب الدينية، وبعض الكتب الطبية بحكم تخصصها.
كانت أمي تراني أحاول قراءة نصوص لا أفهمها، وتركيب جُملاً أجهل معناها، ربما لمست فيّ شغفاً معرفياً وفضولاً لا يهدأ، فأخذتني ذات يوم إلى المكتبة وابتاعت لي مجموعة قصصية من السلسلة الأشهر آنذاك: قصص المكتبة الخضراء.
حملتها معي إلى المنزل بفرح، وشعرت يومها بأنني كبرت، وأن لي كتبي الخاصة، كما لأمي كتبها الخاصة.
كبرت، وكبر حب القراءة في داخلي. كنت أقرأ كلّ ما تقع عليه عيناي: لوحات الشوارع، ملصقات المنتجات، كتب الطبخ، وحتى تتر المسلسلات.
ومرت السنوات، كنت حينها في المرحلة المتوسطة، عندما دخلت أمي غرفتي في يوم مشمس، وأنا أُحلّ واجباتي المدرسية، وفي يدها كومة من الكتب. جلست بجانبي مبتسمة وقالت: “حان دورك في قراءتها”.
احتضنتها بقوة، وبدأت أقلب صفحات الكتب التي قدمتها لي، كانت روايات وقصصاً لليافعين، قد ابتاعتها منذ وقت طويل.
أعي اليوم تماماً بأن أمي كانت تُربي ذائقتي بالقراءة، وتهذب شخصيتي بالمعرفة، كنت أكبر بين اختياراتها، وأنضج على مهل ضمن سياق ذائقتها.
أمي لم تكن فقط أول من قدّم لي كتاباً، بل كانت أول من جعلني أفهم أن القراءة ليست هواية، بل حياة موازية نلجأ إليها حين يستعصي علينا فهم الواقع، ننمو بين صفحاتها لنفهم أنفسنا أكثر، أمي معلمتي الأولى ومرشدتي التي زرعت في روحي بذرة الحرف، وسقتني من نبع المعرفة حتى نضجتُ قارئة.