تبعثر الذات

تأسرني فكرة تبعثر الذات كذرات تسبح في الفضاء الواسع، في يومٍ ليس الأفضل بين كل الأيام، ذلك الوقت المستقطع من الزمن الذي تتوقف فيه الذات عن ممارسة كينونتها، محاولة تمرير اللحظة الراهنة كيفما مرت، بكامل الصعوبة التي تمر بها، لكنها عاجلًا أم آجلًا ستمر وترحل، كلقمة تحاول أن تمررها بصعوبة وتبتلعها لتختفي، لكنها تأبى المرور وتأبى الخروج.
في يومٍ كهذا، سيتجمد الصوت في حنجرتك، وتخذلك اللغة، وتموت الكلمات، وتغدو عيونك مشدوهة تراقب صعوبة هذا المشهد، حتى تشعر بأنك تعيش في بُعد مختلف عن البُعد الإنساني الحياتي الروتيني، وتراقب معها ساعتك المضبوطة على مؤقّت انتهاء هذه الزوبعة، لتعود وتمارس حقك الإنساني في العيش والتجربة رغم كل الصعوبات.
وقتها، تعيد الذات لملمة شتاتها ذات اليمين وذات اليسار، لتتشكل لك بصورة جديدة ومختلفة عمّا عرفتها من قبل. هذا هو مفهوم إعادة تكوُّن واختراع الذات، بعد ألف صعوبة، بعد موقف وتجربة ولحظة حزن ويأس وتخاذل. ستجبرك الحياة وكأنك لم تنكسر من قبل، وسيغدو كسرك قوة، وجرحك أجمل، وإن ترك علاماته فيك وتعلّق على جدران قلبك، إلا أنه وسمٌ يستحق منك الاحتفاء، وسمٌ لا يُعطى إلا للشجعان، ومعارك لا يُعطيها الله إلا لأقوى جنوده.
حينها، سأبارك لك عبورك الآمن إلى الضفة التالية. لن أقول لك: “وصلت أخيرًا وبسلام”، لأننا يا عزيزي في هذه الحياة لا نصل إلى وجهة بعينها. مسيرتنا الحياتية عبارة عن رحلة لا وجه لها. أن تعيش بكامل تجربتك الإنسانية يعني ألّا تمتلك رفاهية الوصول، أي أنك ستعيش طوال حياتك تسير، وتطوي معترك الأيام، وتخوض مضامير عدّة في آنٍ واحد.
لأنك إنسان، سيتوجب عليك أن تتمتع بكامل امتيازات رحلتك الإنسانية، ستُحلّق مسافرًا على غيمة هشّة باتجاه طريق طويل، قد لا تصل فيه إلى كل ما ترجوه، لأنك خُلقت لتتماهى مع تضاريس تجربتك الفريدة الساحرة، كإنسان لا يتوقف، ولا يصل، بل يستمر بالمضيّ قدمًا… دائمًا وأبدًا.