‎الوجيه العربي الكويتي محمد الشارخ

د. سليمان الذييب
د. سليمان الذييب

انتقل إلى الرفيق الأعلى رجل الأعمال الكويتي البارز محمد الشارخ يوم الأربعاء 6 مارس 2024م، وهو مؤسس شركة “صخر” لبرامج الحاسوب، الذي يعود له الفضل -بعد الله- في إدخال اللغة العربية لأنظمة الحاسب الألي. ولمن لا يعرف المغفور له الشارخ، الحاصل على درجة البكالوريوس في الاقتصاد من جامعة القاهرة عام 1965م؛ فهو والحق يقال- علم من أعلام العرب، وضف أعماله لخدمة اللغة العربية بشكل عملي وليس تنظيري كما تفعل مجمعات اللغة العربية المنتشرة في عالمنا العربي- وأمثال هـؤلاء القلة في عالمنا العربي يفترض بنا تكريمهم بالدعاء لهم أولًا فالفضل بعد الله يعود إليه في إدخاله اللغة العربية وفرضها في عدد أنظمة الحاسب، ومن أشهر منتحاته في هذا المجال جهاز “صخر”، الذي لا أعلم لماذا لم ينل الدعم المناسب منا.

وقد تشرفتُ باللقاء به مرة واحدة في منزل الوالد -أطال الله في عمره- عندما رَغِب الالتقاء بي لمناقشة أحلامه في توظيف اللغات العربية القديمة، وكان رحمه الله متواصلًا معي في عدد من القضايا عبر تطبيق المحادثة الفورية “الواتساب”. وفي ذلك اللقاء المباشر وجدته كما في رسائله شخصية هادئة طموحة تسعى إلى رقي المجتمع العربي؛ ولا أنسى قصة (التي رواها بنفسه) استمرار شركته وأعماله بعد سقوط الكويت في قبضة الجيش العراقي، واتخاذه قرار نقل أعماله إلى القاهرة واستمرارها أيضا في السعودية؛ ولم يكن تصرفه كما يفعل بعض رجال الأعمال وهو: “الحفاظ على مكاسبهم المادية” فحسب، بل هدف من قراره هذا ان تبقى شركته صخر تؤدي عملها على الوجه المطلوب.

والحديث عن هذا الرجل قليل الحضور الإعلامي والحديث عن النفس فيما عدا ظهوره النادر في برنامج “الليوان” على قناة روتانا خليجية، ذو شجون لما تميز به من فكر، فهو من جيل تشبع بالبعد العربي المتزن وعلى أكتافهم ارتقت الكويت فكريًا وحضاريًا، ولولا الغزو العراقي الذي كسر مجاديف هذا الجيل وأعماله لعرفنا كويت مختلفة، فظهر -بعد الغزو- جيل دفع الكويت ومجتمعها إلى الخلف، فمجلس الأمة والصحافة وعجلة الثقافة كانت تسير بوتيرة قوية وواضحة. أما اليوم فانزوى الكويتي خلف الكواليس وصارت اهتمامته لا تتعدى مصالحه الشخصية، فأصبح مجلس الأمة يختاره المجتمع على أساس القبيلة والمنطقة وليس كما كان على الكفاءة والقدرة في خدمة الكويت، وليس أدل على وطنيتهم -أي جيله غفر الله للميت منهم- وحبهم لبلدهم أن واحدًا منهم (رغم شراستهم وقوتهم) لم يقبل مسايرة النظام العراقي وتأييد احتلاله لبلدهم. وهذا الفارق بين هذا الجيل والجيل الحالي الذي نخرت فيه الوطنية الزائفة والمذهبية النتنة.

ولم يكتف الشارخ بجهاز صخر، بل عمل مع فريقه على تطوير: القارئ الآلي والترجمة الآلية والنطق الآلي، إضافة إلى تطوير شركته لعدد من البرامج التعليمية والتثقيفية، وغيرها الكثير في خدمة الدين الإسلامي والسيرة النبوية وتراث هذا الأمة العريق.

وكلي أمل بالأخوة في الكويت -وهم أهل لذلك- تكريم هذا العلم بما يليق:

1- تسمية أحد شوارع الكويت باسمه، فهو قامة كويتية عربية وضعت بصمة في الجدار العربي الحضاري.

2- تبني جامعة الكويت تسمية كلية الحاسب الآلي أو قسم أكاديمي في الكلية أو قاعة كبرى باسمه، فهو من جيل لم يخدم الكويت فحسب، بل العرب، عرفانا لدوره وفريقه في خدمة الحاسب الألي.

3- أن تعمل عائلته ومحبيه بدعم من الجهات ذات العلاقة على إنشاء متحف يحكي قصة مشروعه والمراحل التي مر بها، وحياة هذا الرجل، فمن المعيب أن ينسى المجتمع العربي مثل هذه الشخصيات المؤثرة، ولعل متحف الكويت الوطني يتبنى وضع قاعة خاصة لتطور الحاسوب صخر، ومؤسسه.

4- أتمنى أن تعقد جامعة الكويت أو الجهات الثقافية مؤتمرا علميًا عن هذه التجربة، وكيفية استمرارها كي لا تنتهي بعد وفاة صاحبها والمؤمن بها.

رحم الله “محمد الشارخ” وأسكنه فسيح جناته وجعل ربي قبره روضة من رياض الجنة، فلا تنسوا هذا العربي الحقيقي من الدعاء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *