تجارب فعٌالة للتحكم في تكاثر القطط.. نحو مدن صديقة للحيوانات الأليفة

د. طلال المغربي
د. طلال المغربي

تربية الحيوانات والتعامل معها والتعلم منها ليس شيئا جديدا على البشرية، فمنذ بداية الخليقة والإنسان يربي ويستفيد ويتعايش ويتعلم منها، ولا يوجد أحد لا يعرف قصة الغراب مع قابيل الذي تعلم منه كيف يواري سوأة أخيه. ووردت في السنة الكثير من الأحاديث والوصاية التي تخص التعامل مع الحيوانات والرفق بها واحترام حقوقها حيث أن الرفق بها مدعاة لدخول الجنة والقسوة عليها مدعاة لدخول النار لأن الراحمون يرحمهم الله.

على مر العصور شاركتنا الحيوانات الأليفة حياتنا بطريقة أو بأخرى فهي تعيش في المزارع وداخل المنازل وأزقة المدن، إضافة لاستخدامها حديثا لمساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة مثل فاقدي البصر. لذلك كان حتما ولا بد من إيجاد قوانين وتشريعات تحمي هذه الحيوانات وتوعي الأفراد والمجتمعات حول حقوقها وكيفية التعامل معها خصوصا مع وجود بعض الفئات التي تتجاهل حقوق هذه المخلوقات وتتعامل معها كأنها لعبة ومخلوقات بلا روح تتسلى بها لفترة ثم تتخلص منها متى ما ملت منها.

تسعى كثير من مدن العالم إلى تكوين صورة ذهنية إيجابية جاذبة للسياح وصديقة للحيوانات الأليفة Better Cities for Pets. تشير بعض الدراسات إلى أن تربية الحيوانات الأليفة تساعد على التفاعل الإيجابي بين المهتمين بالحيوانات الأليفة داخل المجتمع، مجتمع أكثر تعاطفا وانفتاحا، وتساهم في تقليل التوتر وخفض ضغط الدم وتقليل الشعور بالعزلة والوحدة. ومع الانفتاح الحالي، ومع تحول العالم إلى قرية صغيرة، أسهمت وسائل التواصل الاجتماعي في تبادل الخبرات والتجارب الاجتماعية، وبالوقت نفسه أسهمت أيضًا في انتشار التعاملات والمواقف السلبية في المجتمعات التي يقوم بها بعض الأفراد بلا مبالاة بقيم وثوابت مجتمعاتهم ليكون بذلك سببا في التأثير السلبي على المجتمعات وعلى الصورة الذهنية للمدن والدول.

من هذه الممارسات السلبية المنتشرة في مجتمعنا هي التخلص من الحيوانات في بعض الحدائق والمنتزهات والأحياء بالإمساك بها ونقلها لأماكن بعيدة أو مهجورة لتتعرض للموت البطيء أو قيام بعض البلديات بقتلها. ومن الممارسات السلبية المنتشرة أيضًا عند بعض العوائل التي تربي القطط هو إهداء القطط المولودة حديثًا إلى الأقارب أو الأصدقاء بدون التأكد من مدى امتلاكهم للمعرفة والقدرة على التبني والاهتمام بهذه الحيوانات، وهناك ممارسات سلبية أخرى منتشرة مثل التخلص من الحيوانات المنزلية وبالأخص القطط عن طريق رميها في الشارع أو وضعها في أقرب حديقة متجاهلين حقيقة أن الحيوانات المنزلية لا يمكنها العيش أو النجاة من المخاطر الموجودة في الشارع.

تبدأ القصة عندما نقرر أن نشتري قطة ونضع هذا القرار قيد التنفيذ دون إعطاء أنفسنا الفرصة للتفكير والقراءة والتثقف لمعرفة المتطلبات والاحتياجات اللازمة لتربية هذه الروح، وما الإيجابيات والسلبيات التي سوف تعود علينا إذا ما قررنا اتخاذ هذه الخطوة. من هنا تبدأ المشكلة حيث نتقبلها كهدية أو نشتري هذه الحيوانات وهي صغيرة وعندما تمرض أو تكبر وتبدأ بطلب احتياجاتها الطبيعية مثل طلب التزاوج يكون القرار الأسهل هو التخلص منها ورميها في الشارع دون أدني رحمة رغم توفر العيادات البيطرية وإمكانية التعقيم.

لحل هذه القضية ليس فقط للقطط المنزلية، ولكن أيضا للقطط الموجودة في الشوارع، يتعين علينا استثمار تجارب الآخرين وتحقيق توازن بين رعاية الحيوانات وراحة المجتمع. يتضمن ذلك تعزيز الوعي حول حقوق الحيوان، فضلاً عن فرض العقوبات على الإيذاء الحيواني، وكذلك تشجيع التبني المسؤول، مع التركيز على التثقيف المجتمعي للمساهمة في تغير السلوك الذي يزيد من الوعي ويشكل صورة إيجابية حول رعاية الحيوانات لتكون آلية مستدامة تساهم في تحقيق توازن بين راحة المجتمع وحقوق الحيوانات.

برامج القبض Trap والتعقيم Neuter والإطلاق Release (TNR) تُعد خطوة مهمة في سبيل التحكم الفعال في تكاثر القطط في الأماكن العامة، حيث تقوم هذه البرامج بالقبض بشكل إنساني على هذه القطط وتتعاون مع أطباء البيطرة لإجراء عمليات التعقيم، وتشمل العديد منها تلقيح القطط ضد الأمراض المعدية وبعد ذلك تعاد لبيئتها الخارجية.

من التجارب العالمية التي يمكن الاستفادة منها للتعامل مع مشكلة تكاثر القطط هي التجربة الأسترالية. ففي إحدى المدن الأسترالية التي يبلغ عدد السكان 100,000 نسمة كان عدد قطط الشوارع حوالي 6,000 قطة، بمعنى أن من 15-20 شخصًا يقوم بإطعام قطة يوميًا، مع الأخذ بالاعتبار أن معظم هذه القطط ليست معقمة، مما سيؤدي إلى زيادة ومضاعفة أعداد القطط في وقت قصير جدا. من قطة واحدة غير معقمة تلد أربع قطط، وفي غضون 16 شهر قد يصل العدد إلى 32 قط. لمواجهة هذه المشكلة كان الحل المقترح هو قتل حوالي 4,000 قطة في السنة الأولى، بتكلفة تقدر بحوالي 2.4 مليون دولار سنويا. هذا الحل واجه الكثير من العقبات حيث معدل القتل غير قابل للتحمل من الناحية المادية والتحديات التنظيمية، بالإضافة أن قتل هذه الأعداد الكبيرة من القطط لم يحظى بدعم جمعيات حقوق الحيوان ومعظم السكان.

للحد من تكاثر القطط الزائد، أشارت بعض الدراسات أنه يجب قتل حوالي 30 إلى 50٪ من القطط كل 6 أشهر لمدة 10 سنوات على الأقل. وهذه الآلية تعتبر غير عملية ومُكلفة. بعيدا عن الاعتبارات الأخلاقية، فإن الإمساك وقتل القطط ببساطة لا يعمل وهو ما أكده رئيس الجمعية الوطنية لمراقبة الحيوانات الأمريكية الذي أشار في مقال نُشر في مجلة Animal Sheltering عام 2008 بأنه “مثل محاولة تفريغ المحيط باستخدام خرم إبرة خياطة” حيث يمكن للقطط التكاثر بسرعة أكبر بكثير من جهود القضاء عليها. بالإضافة إلى الضغط والنقد من جمعيات حماية الحيوانات وأفراد المجتمعات لأي جهود غير علمية أو أخلاقية في القضاء على الحيوانات الأليفة، مثل القطط.

لجأت الجهات الأسترالية الى استبدال عمليات القتل بعمليات التبني، لكنه لم يكن أمر قابل للتحقيق لصعوبة إيجاد متبنين لديهم القدرة المالية على التبني. حتى عندما قرروا وضع القطط المشردة في مراكز إيواء أظهرت الإحصائيات في إحدى المدن أن نسبة 80% من القطط المتشردة التي يتم احتجازها في مراكز الإيواء والملاجئ سنويًا، يُقتل منها حوالي 3-5٪ لعدم كفاية مراكز لإيواء والملاجئ، مما يعزز الحاجة إلى استراتيجيات تحكم فعّالة.

لذلك بدأت الحكومة الأسترالية بالبحث عن حل فعال للتعامل مع هذه المشكلة والاستفادة من تجارب الأخرين حيث أشارت بعض التقارير الصادرة من أمريكا الشمالية وأوروبا على نتائج إيجابية في تطبيق مفهوم برامج القبض Trap والتعقيم Neuter والإطلاق Release (TNR) الذي ساهم بشكل كبير في تقليل شكاوى الناس والسياح من القطط وتقلل من معدلات قتلها حيث يتم تعقيم القطط وإعادتها إلى موقعها الأصلي.

تجربة سنغافورة التي كان لديها مشكلة حقيقية مع قطط الشوارع والقطط المنزلية المتخلي عنها حيث يقدر العدد بنحو 50 ألف قط في الشوارع. تفاقمت المشكلة في سنغافورة بسبب قيام العديد من الأفراد ببيع القطط بدون تراخيص أو معرفة مهنية لرعاية القطط وذلك من خلال إنقاذ قطط الشوارع وإعادة بيعها ويتم إخفاء تجارة بيع القطط من خلال إعلانات مع إضافة رسوم للتبني أو مقابل طعام القطط، لأن بيع القطط بدون ترخيص ممنوع في سنغافورة.

وكان تركيز سنغافورة على إعادة إسكان القطط الصغيرة والقطط المنزلية المتخلي عنها التي يمكنها التكيف بسهولة مع الحياة المنزلية، والتأكد من قدرة المتبنين على توفير بيئة أمنة لكل قطة يعتنون بها من أجل تسهيل الانتقال من حياة الشوارع إلى المنزل. القطط التي لا يتم تبنيها من السكان غالبا ما تكون القطط البالغة غير الأليفة التي عاشت حياتها كلها في الشوارع. رغم ذلك، فتجربة سنغافورة تشير إلى أن هذه القطط تكون أكثر سعادة إذا تمكنت من البقاء في مواقعها الأصلية بعد عملية TNR والحصول على الرعاية والاهتمام من الأفراد الذين يقومون بإطعامها. الجانب الإنساني يلعب دور هام في المجتمع، حيث أن كبار السن معروفين برغبتهم في إطعام قطط الشوارع والتعامل معها باعتبارها خاصة بهم، حيث يمنحهم مثل هذا التفاعل اليومي مع القطط معنى لحياتهم.

برامج TNR ليست مجرد إجراءات، بل تمثل نموذج فعال ومستدام للتحكم في تكاثر القطط ويتم التعامل بإنسانية معها، حيث يتم تعقيمها وإعطائهم اللقاحات اللازمة للوقاية من الأمراض المعدية. المجتمعات التي طبقت برامج TNR شهدت تحسن ملحوظ بعد إعادة القطط إلى مواقعها الأصلية بعد التعقيم مما يعزز استقرارها ويقلل من ميولها العدوانية وأعدادها على المدى الطويل وأدت إلى تحقيق توازن بين رفاهية الحيوان واحتياجات المجتمع.

التجربة البريطانية لحماية الحيوانات المنزلية (الكلاب والقطط) كانت عن طريق إلزام ملاك هذه الحيوانات وضع شريحة تحت الجلد من قبل الطبيب البيطري المختص تحمل رقم تسلسلي وطني يتم عن طريقه معرفة اسم الحيوان ونوعه وفصيلته وتاريخه الطبي واسم مالكه وعنوانه. الهدف من ذلك هو الحد من التجارة غير المرخصة، إضافة إلى معرفة إذا ما كانت هذه الحيوانات معرضة إلى أي نوع من أنواع الإهمال من قبل ملاكها مثل التخلص منها بطرق غير نظامية أو إهمال لقاحاتها وفحوصاتها الطبية.

في الختام، إن تجميع الحيوانات الأليفة، خاصة القطط، لقتلهم أو نقلهم إلى بيئة بعيدة جديدة هي عملية تأخذ وقت طويل وذات تكلفة عالية وليست دائما ناجحة. نتمنى أن تقوم وزارة البيئة والمياه والزراعة والجهات المسؤولة في المملكة العربية السعودية باتخاذ الإجراءات اللازمة لتطبيق برامج القبض Trap والتعقيم Neuter والإطلاق Release (TNR) التي تعد حلا شاملا وإنسانيا للتحكم في تكاثر القطط. أيضا، وضع التشريعات بهدف إلزام ملاك الحيوانات المنزلية (القطط والكلاب) وضع الشريحة من خلال العيادات البيطرية للحد من ظاهرة التخلص من هذه الحيوانات. يمكن ان تلعب التشريعات اللازمة مع الدعم والوعي داخل المجتمعات دورا هاما في خلق بيئة صحية ومستدامة للإنسان والحيوان على حد سواء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *