الرأي

الجوال.. من قصة جحا إلى إخوان الصفا

محمد الدخيل

كاتب وناقد سعودي

أيهما أهم: الإنسان أم أشياؤه؟

ومالذي يعطيه الحضور والقيمة؟ ذاته أم مايملكه من أشياء؟

لازلنا نذكر في كتب الطرائف قصة (جحا) حين كان مدعوا لحضور وليمة وكيف ذهب إليها بثياب رثة فلم يُسمح له بالدخول، وكيف ذهب إلي بيته ولبس جبة فاخرة وعاد بها من جديد فسمح له عندها بالدخول ولقي ترحيبا وتبجيلا في المعاملة، فأخذ حين جلس إلى المائدة يمارس فعلا فاقعا في رمزيته حين أخذ يُطعم جبته ويدعوها للأكل بحرص وإلحاح، محتجا بإنها أحق منه بالطعام إذ لولاها لما أستطاع الجلوس إلى المائدة أصلا!!

اليوم حدث معي أمر مختلف ومشابه، إذا اكتشفت وأنا في الطريق إلى مقر عملي أني قد نسيت هاتفي الجوال في المنزل، وحين جاء دوري بالدخول بسيارتي إلى مقر العمل طلب مني حراس البوابات إبراز تطبيق (توكلنا) المربوط بهاتفي الجوال، (كما يحدث أو لايحدث أحيانا)، وحين أخبرته أني نسيت هاتفي في المنزل (الذي يبعد مدة نصف ساعة بالسيارة) رفض السماح لي بالدخول ورفض قبول كل أعذاري باعتبار أنه جاءهم بالأمس تعميم يشدد على ذلك، وبعد محاولات إقناع جاهدة وحثيثة (إذا بدا لي مشوار العودة للمنزل ثم إحضار الهاتف الجوال والعودة به من جديد لمقر العمل مشوارا عبثيا فضلا عن الوقت الذي سيستغرقه والتأخر الذي سيحسب علي) سمح لي بالدخول أخيرا.

الأمر لم يتوقف على ذلك. إذ رغم أنه يمكن لي جزئيا الاستغناء عن جوالي واستخدام جهاز كمبيوتري المكتبي، لكن حتى هذا الأمر صار يتطلب التأكد من شخصي قبل الموافقة لي بالعبور إلى صفحتي على المواقع والتطبيقات الأهم على المستوى الشخصي والعملي، وهذا التأكد لايتم إلا من خلال إرسال رمز سري إلى هاتفي الجوال وإعادة إدخاله من قِبلي ليتم التحقق أن من يريد الدخول هو حقا أنا.

لم أجد بدّا من أن أقوم بتحميل أحد الكتب على جهازي، ولا أعلم لماذا اخترت تحديدا كتاب (إخوان الصفا وخلان الوفا) لتحميله والقراءة فيه، لكني عدت بالذاكرة فجأة إلى ما حدث لي قبل أعوام حين سُرق هاتفي الجوال في بلد عربي، وكان هذا الجوال يحمل شريحتي الرئيسية، وكيف احتجت إلى تحويل بعض المال لنفسي من حسابي البنكي في بلادي لإكمال المتبقي من الرحلة، لكني لم أستطع، ماجعلني أحتاج للاتصال بكثير من الأصدقاء لإنقاذي في هذا الوقت الصعب، لأكتشف أن معظم هؤلاء الذين اتصلت بهم هم من فئة (من يحسنون الجلوس معك وليس الوقوف)، وكيف ساهم ذلك الموقف في إعادتي النظر إلى معنى الصداقة وفي كثير ممن كنت أظنهم من (إخوان الصفا وخلان الوفا) رحمهم الله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *