الرأي

“كورونا”.. فرصة للسعودية للعمل بمبدأ (time out)

محمد المحمدي

أستاذ جامعي

أفدح ما في تجربة التعامل العالمي مع وباء كورونا، أنها لازالت مفتوحة على كل الاحتمالات، فالذي تشدد في إجراءاته حد الحظر الكامل للحياة، لا يمكن له أن يحقق النجاح، ما لم يتمكن المتساهل والمتقاعس من الرسو على شط النجاة.

وأفدح ما فيها أيضًا أنها تمضي دون أن يعرف الناس هل هم قريبون من نهاية النفق أم أنهم يتحركون نحو الأعمق، ناهيك طبعًا عن أنهم لا يدرون شيئًا عما يمكن فعله تحسبًا للمستقبل: هل يقبلون على شراء السلع وتخزينها مهما علت أسعارها أم أنهم يهدرون بذلك أموالهم، التي قد تنفع في شأن أهم؟. هل يتكيفون بالكامل مع وضعية البقاء في المنازل ويرسمون مخططات حياتهم على هذا الأساس أم أن خبرًا سعيدًا سيأتيهم بعد قليل يسمح لهم بالانطلاق؟!.

العالم كله في حيرة غير مسبوقة، ولا حل أمام الناس إلا الانصياع لما تقرره الحكومات، ليس فقط لأنها الأكثر امتلاكًا للمعلومات، وإنما أيضًا لكونها الأقدر على تحمل الضغوط والتبعات، ومن لا يأخذ بهذه القاعدة عليه أن يتخيل حال العالم لو ترك لكل فرد أن يختار طريقته في التعامل مع الوباء!.

إن الخروج عن النظام والدعوة لمخالفة أوامر الحظر والمطالبة بعودة الحياة والتصرفات الفوضوية بالشارع أمر خطير يحدث على مستوى العالم كله، لكنه مفهوم ومتوقع، فقد  طال البقاء في المنازل لفترة طويلة، ولا أحد يعرف متى تكون النهاية، بينما تواجه الحالة الاقتصادية للأفراد والعوائل مخاطر غير بسيطة.

شعوب العالم، بلا استثناء، جالسة الآن في  انتظار تاريخ ما . قد يكون تاريخ اكتشاف العلاج أو المصل الذي ينهي هذه الماساة، وقد يكون تاريخ إعلان عودة الحياة والسيطرة ولو بشكل جزئي على انتشار المرض، وفي الحالتين سيكون القرار مجازفة، سيتحمل صاحبه النتائج على كل المستويات.

تتضح صعوبة هذه المجازفة بالنظر إلى أن متخذ القرار يعيش هو الأخر في نفس الحيرة العالمية، فلو ثبت مثلًا أن الالتزام بمسافة متر ونصف واستخدام الكمامات وغيرهما من الاجراءات الاحترازية تقلل نسبة انتقال الفايروس من شخص الى أخر بنسبة ٩٠ أو ٩٢ أو ٩٧٪، فهل يكون ذلك مطمئنًا لإعادة الحياة إلى طبيعتها؟، ومن يتحمل مسؤولية هامش الخطر المتروك لتعاملا الناس؟.

والحق أن التصريحات الصادرة من منظمة الصحة العالمية كانت ولا تزال من بين العوامل التي أربكت الناس جميعًا ، لأنها جعلتهم يتحفزون للخطر، دون أن توضح لهم علامات زواله.

كيف تقول للعالم ان الاحترازات يجب أن تستمر ٧ اشهر الى ١٢ شهرا وإلا سيعود الفايروس الى قمة اكبر ولن نتمكن من السيطرة عليه، ولن تستوعب الأنظمة الصحية مثل هذه الضغوط؟. كيف يمكن لها أن تروج الخوف وتهول فيه، ولا تقل للناس أن التزامهم قد يقلل هذه الفترة؟.

كان يمكن للمنظمة أن تقول إننا سنحكم قبضتنا على الخطر بالحظر وغيره من الاحترازات لمدة ٢٠ يومًا ثم سنراجع الأعداد والإصابات ونسب الانتشار. وفي حال كانت المؤشرات طيبة سيتم كذا وكذا وكذا. وفي حال تزايدت الأعداد سنمدد توصياتنا بالحظر لمدة ٤٠ يومًا ونعود للقياس. وهكذا .

أما أن تتحدث عن ٧ شهور وتربك الناس وتجعلهم في قلق مفتوح  حول مصائرهم، فهذا عمل يفتقد للمنطق وتحيط به علامات الاستفهام !!

انهم لا ينظرون في احترازاتهم الحالية إلا إلى الجانب الصحي ويتجاهلون أن هناك من سيموت من الجوع والبطالة والإجرام والأمراض النفسية، وهؤلاء  قد يشكلون رقمًا خطيرًا على المدى البعيد قد يتجاوز أرقام ضحايا  كورونا!!

يزيد من هذه المخاوف أن العالم، وكما أشرت آنفًا، لا يملك  خطة واضحة للتعامل مع هذا التحدي .. كل طرف مشغول بذاته، رغم أنه لن ينجح إلا بنجاة الأخرين، وهذا هو الدرس الذي نود أن نستعد له في المملكة، التي تعد الأقرب – بحول الله – للسيطرة على الوباء.

أحسب أننا اذا انتهينا من الأزمة مبكرا وقبل ان يتعافى العالم، سنبقى منغلقين على أنفسنا لفترة زمنية  ولن نتمكن من ممارسة اَي تعاملات اقتصادية وسننقطع عن العالم ولن نزوره ولن يزورنا الا في مجال ضيق ومحدود…فكيف نستفيد بذلك؟، وكيف نساعد العالم به؟.

مثلًا؛ لو افترضنا ان السعودية تعافت بحلول الحج ، وليس ذلك على الله ببعيد، فلن نفتح الموسم لحجاج الخارج (سيناريو محتمل). ويقاس على ذلك السياحة والمعارض والبعثات والتبادل التجاري والصفقات التي ستتأثر بإغلاق الحدود حتى مع زوال الحظر في السعودية وعودتها لطبيعتها.

هل سيكفي ذلك ؟.

بالطبع لا ؛ فنحن بحاجة الى خطة عمل للفترة القصيرة التي سنكون فيها مع أنفسنا، بانتظار تعافي العالم. سنكون وحدنا معزولين عن العالم الخارجي وبإمكاننا وقتها أن نعمل بكامل كفاءتنا وطاقتنا لتطوير أنفسنا من الداخل ولنبني الكيان الأقوى الذي سيدفع بنا لطموحات أكبر في ٢٠٣٠، في ظل تطوير متوقع لتفاصيل رؤية المملكة لتواكب كل ما يدور في عقول القادة والمفكرين حول العالم.

ورغم اننا جزء من هذا العالم إلا أن وقت انتظارنا لتعافي العالم لن يكون مناسبًا لمجرد مراقبة الأحداث، فالأفضل لنا  أن نعمل من الداخل ونثبت للخارج اننا استعدنا عافيتنا بفضل الله أولا ثم بما لدينا من همة وطموح ورغبة في اعمار هذه الارض المباركة.

إن الأمر يشبه ما يفعله مدربو فرق كرة السلة والطائرة  عندما تتأخر فرقهم بالنقاط ، فيطلبون وقتًا مستقطعًا ( time out )، حتى يعيدوا للاعبيهم الطاقة والهمة، ولتثبيط حماس الخصم ، ما يمكنهم في النهاية من تعديل النتيجة ثم تحقيق النصر.

ها هو حال العالم الأول اليوم. أما نحن دول العالم الثالث فقد أتتنا الفرصة للتقدم وتقليل الفارق، وربما يكون لمصادفة حدوث كورونا مع تنفيذنا خطط التحول ورؤيتنا للازدهار فرصة لتحقيق التقدم وتحسين فرص المنافسة مع العالم الاول.ولعله أيضا  من جانب آخر يكون ترؤس بلادنا  لمجموعة العشرين في هذا العام فرصة لنا  أمام المهتمين والمراقبين ووسائل الإعلام العالمية المختلفة  لتعزيز صورتنا وتأكيد هذا التفوق الذي أنجزناه في تجربة التعامل مع كرونا في الجانب الصحي والانساني والاقتصادي والمجتمعي وغيرها من الجوانب بما يؤكد صحة مسارنا وكل ما بنيناه قبل كرونا ضمن خطة التحول والرؤية كما اسلفت.

باختصار أقول؛ عندما نتعافى بشكل أسرع من العالم سيصبح عنصر الوقت من بين أدوات تقدمنا وازدهارنا وتحقيق أمانينا البعيدة، دون أن ينسينا ذلك أن ندعو للعالم كله بالعافية والنجاة من هذا الوباء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *