الرأي , سواليف

قبل الكف أم بعده؟!

محمد البكر

كاتب وصحفي سعودي، نائب رئيس التحرير السابق في صحيفة (اليوم) السعودية، معلق رياضي سابق.

لم يعد مستغربا لدينا أن سمعنا كلمات مثل كلمات عنوان هذا المقال ، أو إحدى مرادفاتها مثل ” قبل الجمس الأسود وبعده ” ، أو ” قبل الجيب وبعده ” . حيث يتبادل الناس تلك العبارات عندما يشاهدون مقاطع متناقضة لشخص واحد ، ينتقد في المقطع الأول إحدى الجهات الحكومية أو الشخصيات العامة والهامة ، وفي الثاني يظهر ذليلا منكسرا ومعتذرا بأنه لم يكن يقصد الإساءة لتلك الجهة أو الشخصية التي انتقدها متعللا بأن التعبير قد خانه . فأمام هذا التناقض ، لا يملك الناس غير تلك التعليقات التي تشير بوضوح لتعرض هذا الشخص إما لضغوط أو لتهديدات قد تمسه أو تمس مصدر رزقه .

آخر تلك المقاطع ظهر فيها سائق إحدى حافلات النقل المدرسي ، شاكيا من تردي أوضاع السائقين ومحذرا من إنعدام الأمان ” الميكانيكي” لمعظم الحافلات . ومع أن ذلك السائق في مقطعه الأول كان في صحة جيدة ويتكلم بحرقة وجدية وغيرة ، إلا أنه في المقطع الثاني ادعى أنه يعاني من ارتفاع السكر، الأمر الذي جعله يهذي بما هو ليس صحيحا ” كما يقول “. وبغض النظر عن صحة ما قاله بداية أو ما أوضحه لاحقا ، فإن ذلك لم يعد مقبولا لدى الناس ولا مؤثرا عليهم . وعلى الجهات الحكومية أو المؤسسات الخاصة التي تتعرض لمثل هذه المواقف تغيير سياساتها في التعامل مع وسائل الإعلام وتطبيقات التواصل الإجتماعي . إن إجبار الشخص على تغيير أقواله من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار ، لم يعد خيارا صائبا ، بل إن له نتائج عكسية وأضرارا كبيرة تؤثر على مصداقية تلك الجهات . فلدى الناس قناعة بأنه لو لم يتعرض لتهديدات ليغير أقواله لما قبل أن يظهر في مقاطع لاحقة وكأنه يتوسل تلك الجهات لتسامحه ، وما يدفعه بالإضافة لذلك هو أنه يعلم بأن مجتمعنا وللأسف الشديد يهتم ب “الطقطقة ” عليه وعلى أقرانه  ، بدلا عن الوقوف بجانبه ودعمه طالما لم تثبت تلك الجهات كذبه أو حتى مبالغته . فماذا يفعل هذا الضعيف البسيط وهو وحيد في مواجهة من هم أقوى منه نفوذا وسلطة؟ .

وسواء كان ذلك السائق صادقا فيما قال ، أو أنه فعلا بالغ في أقواله ، فإن الشارع السعودي لا يزال مهتما بوضع حافلات النقل المدرسي من حيث جودتها وسلامتها من أي عيوب ، فالجميع غير مقتنع بما قاله السائق في مقطعه الأخير . فهل من مجيب ؟!. لكم تحياتي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *