الرأي , هواجيس

بربسة صحفية

تعتبر الصياغة في فنّ الصحافة العمود الفقري لكل ما يُكتب فيها.. فالصياغة مثل الخيّاط الذي يجمع جميع المتشتتات الخبرية والمعلوماتية والصور وما إلى ذلك ويصنع منها ثوباً جميلاً نلبسه .. وهذا ما اعتدنا عليه ..

ولفترات طويلة قادت الصحف الورقية الصحافة وتولت مهام الإعلام في المجتمع.. فكانت تقدم لهم وجبات مختلفة كل يوم متنوعة المحتوى تجعل القاريء يستمتع بالجريدة ويطول بها المقام وهو ممسك بها.. لم لا فقد كانت صبية فتية مليئة بالتشويق متجددة ..

ولعقد مضى من الزمن تسارعت التغييرات المجتمعية بوتيرة بالكاد نواكبها.. ودخل علينا الإعلام الجديد وأدواته من برامج التواصل الإجتماعي. ودلف من باب الصحافة جمع كبير حتى تساوى في تلك المهنة الرئيس والغفير.. وأصبحت دكاكين الصحافة الجديدة مستشرية في المجتمع مثل مطاعم المندي والمظبي والمضغوط في نواحي المدينة..

وأصبح الجميع إعلامياً.. حتى ناقل الحكي في المجالس يُقال له إعلامي.. وركبت الموجة معظم الجهات والدوائر الحكومية وأصبحت تصنع صحافتها بطريقتها وبما يخدم أهدافها ويحقق أمانيها.. بعضها كان إضافة وبعضها كان آفة.. وهكذا كنّا وهكذا نكون .. وضاعت أركان الصحافة معهم..

وأصبحنا نقرأ أخبار غريبة بصياغات بنغالية في معظم الأحيان، وأصبح قَدر الصحافة لديهم مثل قِدر المرق في مطعم.. الكلُ يغرف منه وأطرافه منسكب عليها المرق من كثر الغرف حتى أصبح القِدر ممقوتاً مشوهاً من كثرة الرطرطة تحت القِدر.. وإليكم بعضاً من المقتطفات في تلك الوسائل الغريبة في عالم الصحافة..

قام المشروع الفلاني بزيارة تفقدية للمسؤول في مكتبه للتأكد أنه بخير وصحة وعافية.. وقام المشروع باستعراض نفسه أمام المسؤول بكل شفافية وقد رافق المشروع في تلك الزيارة الميمونة عددًا من أدوات البناء يتقدمها الشيول والمطرقة والطابوق والمسامير.. وغادر المشروع مكتب المسؤول بعد أن اتفقا سوياً على أن يقوم المشروع بإنجاز نفسه بسرعة حسب ماهو مخطط له..

وهنا خبر ثاني هذا نصه: “صرح المسؤول أن هذا المشروع يعتبر الأول من نوعه في العالم من ناحية الدقة في المواعيد والبناء.. شاركت فيه أكثر من 100 ألف شركة ومكتب واستشاري.. وينتظر أن يحتفلوا بعيد ميلاده الثامن عشر قبل أن ينتهي.. فليس من المهم أن ينتهي بل المهم أنه أيقونه عالمية وربما يسجل في اليونسكو وغينيس وغيرها..

ونختم آخر تلك الأخبار .. بهذا الخبر الجميل: من المتوقع أن يصاب المدير المسؤول بالإنفلونزا في منتصف الإسبوع القادم ونتقدم لسعادته بالتهنئة لشفائه قبل أن يمرض.. وكذلك نستنكر بكل كلمات الاستهجان هجوم فيروس الإنفلونزا على المسؤول وتعطيله عن أداء مهامه الجسيمة..

هذه صحافتنا الجديد وهذه صياغاتها.. ربما دخلنا في مرحلة عصر البربسة الصحفية.. وربما تكون هذه قواعد اللعبة الجديدة.. المهم أنها صياغات صحفية .. والله المستعان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *