وداعاً للعمالة الرخيصة

للعمالة الرخيصة فوائد كثيرة، وخاصة البناء والزراعة والنقل وكثير من الخدمات الأخرى التي لا يعمل بها المواطن، لكن بعض المهن تعودنا وأولادنا على الكسل والاعتماد على الوافدين في كل شؤوننا..

قبل سنوات كنت أحاضر على الطلبة المبتعثين إلى نيوزيلندا وأستراليا بالتنسيق مع وزارة التعليم العالي في ذلك الوقت، ولدى سؤالي الطلبة المبتعثين عن أهم الملاحظات والصعوبات التي يواجهونها في الغربة، أفادوا أنها التكلفة العالية لأعمال السباكة والكهرباء داخل منازلهم، فالسباك على سبيل المثال يأتي ثم يعاين المشكلة وقبل بدء العمل يحدد التكلفة حسب الوقت المتوقع وفي العادة لا يقل عن مئة دولار في الساعة وما زاد يتم التفاهم عليه فيما بعد، ويضيف الطلبة: ولذلك فقد تعلمنا المبادئ الأساسية للسباكة والكهرباء ولم نعد ندعوهم إلا للعمل الصعب الذي لا نقدر عليه.

تذكرت ذلك قبل أسبوع حين دعوت عامل سباكة أعرفه جيداً حيث أصلح العطل خلال أقل من ساعتين ثم طلب التكلفة ومقدارها 300 ريال، وكان هذا العامل يكتفي بما لا يزيد عن 50 ريالاً قبل عدة سنوات.

للعمالة الرخيصة فوائد كثيرة وخاصة للبناء والزراعة والنقل وكثير من الخدمات الأخرى التي لا يعمل بها المواطن، لكن بعض المهن تعودنا وأولادنا على الكسل والاعتماد على الوافدين في كل شؤوننا، كما أنه من الصعوبة منافستهم من قبل المواطن.

أتذكر جيداً وضعنا قبل الطفرة المالية وقبل جلب ملايين الوافدين حيث كنا نؤدي الكثير من الأعمال المنزلية رجالاً ونساءً، والتي يقوم بها السائق والخادمة في الوقت الحاضر، أما من قبلنا وفي بدايات وصول السيارات إلى المملكة فقد كان السائق هو المهندس والفني، والفلاح هو القائم على كل ما تحتاجه مزرعته من صيانة وخدمات.

لكن يبدو أننا سنضطر للعودة تدريجياً ومع غلاء مقدمي الخدمة للاعتماد على أنفسنا وخاصة في الأعمال البسيطة والتي لا تحتاج لمختص، وفي هذا فوائد كثيرة لتعويد الأبناء والبنات على الاعتماد على النفس وتحمل المسؤولية تجاه الأعمال المنزلية والصيانة الخفيفة والاهتمام بما يخصهم كالسيارة وتنظيم وتنظيف غرف نومهم، وإعداد وجباتهم، ومما سيسهم في تسريع ذلك القيام بالخطوات الآتية:

أولاً: التعليم بشكل عام والتعليم الثانوي بشكل خاص بحاجة إلى مراجعة مناهجه بحيث يتم إدخال بعض الأعمال المهنية البسيطة أو أن يكون هناك مسار مهني لمن يرغب في العمل بعد المرحلة الثانوية مباشرة أو سيواصل في كلية أو معهد مهني، وقد رأيت ذلك أثناء زيارتي لمدرسة ثانوية في نيوزيلندا قبل سنوات، حيث وجدت أن لديهم ورشاً فنية لإصلاح السيارات، ومطبخاً لتعلم إعداد الوجبات للعمل في المطاعم ودور الضيافة إضافة إلى ورش لتخصصات أخرى يتطلبها السوق.

ثانياً: من الواجب إسناد صيانة المباني الحكومية والمناطق العسكرية لمواطنين يتم إعدادهم جيداً في معاهد فنية، ويسمى ذلك بالتشغيل الذاتي حيث يمنح الفني مرتبة أو رتبة عسكرية، وستكون الصيانة مكلفة لكنها في النهاية تصب في مصلحة الوطن من حيث مكافحة البطالة وإبقاء السيولة داخل البلد، ومن أهم المهن التي يجب توطينها، صيانة الطائرات المدنية ومرافق المطارات، وذلك لمردودها المادي الجيد والخبرات المكتسبة التي ستبقى في البلد، أما الوافد فسوف يغادر حال اكتسابه الخبرة ووجود من يدفع له أكثر في أي بلد آخر من العالم.

ثالثاً: لا بد أن تفكر كليات التقنية والمعاهد المهنية في المهن التي تستجد ويتطلبها السوق وأجهزة التقنية الحديثة، كما يجب أن تتخلص من التدريب على مهن لم تعد مطلوبة أو أن خريجيها لا يجدون فرصاً للعمل، فالهدف من هذه الكليات والمعاهد مكافحة البطالة وليس منح الشهادات فقط، مراجعة المناهج وتقييمها بصفة مستمرة أصبح ضرورة وليس ترفاً.

ربعاً: يوجد مهن لا يمكن للمواطن أن يعمل بها في الوقت الحاضر كالبناء والزراعة وسفلتة الطرق وسياقة سيارات النقل الثقيلة وهنا يجب توفير ما يكفي من الوافدين للعمل بها حتى لا ترتفع الأجور ويتضرر المواطن وينعكس ذلك سلباً على أسعار المنازل والسلع الأساسية.

المملكة تمر بمراجعة شاملة للكثير من الأنشطة الاقتصادية وتصحيح أسعار بعض الخدمات لكنها بحاجة أكثر لمكافحة البطالة وتقليل الاعتماد على الوافدين خاصة في الأعمال البسيطة والفنية ذات العائد المادي المجزي، ومن الضروري إلزام شركات القطاع الخاص التي تبرم عقوداً مع الحكومة بتوظيف المواطن، بدل أن تذهب لأسهل وأرخص الحلول، وهو استقدام المزيد من العمالة.

عبدالله السعدون

نقلاً عن (الرياض)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *