الخائفون من بوريس جونسون الشجاع

لا يفترض أن ننشغل بهيئة رئيس الوزراء البريطاني الجديد، بقدر ترقب مساره السياسي في المنطقة، فهو قائد متمرد على الكياسة والسياسة التقليدية، ويأتي بعد تيريزا ماي، رئيسة وزعيمة بلا شخصية تمكنها من أخذ موقف شجاع، فلم يتحملها وهو وزير خارجية في حكومتها، وخالفها في مواقف سياسية عدة.

نحن اليوم أمام شخصية مختلفة، لم تعرفها الحكومات البريطانية الأخيرة. فما الذي يعنينا في المنطقة خلال مرحلة رئيس الوزراء بوريس جونسون؟

قبل كل شيء، لا تعني المواطن العربي في المناطق الساخنة سياسيات السيد جونسون الداخلية، تلك شؤون تخص مواطنيه، وما لنا إلا مواقفه من ملفات المنطقة؛ عبث إيران أولاً في الخليج العربي، وعبر ممثلياتها المسلحة في اليمن والعراق وسورية ولبنان، ومن ثم دعم التطرف وجماعة “الإخوان”، على أرضه وعلى أراضينا.

ولكن هل يسعف الوقت رئيس الوزراء الجديد؟

يأتي السيد بوريس جونسون رئيساً مكملاً لفترة مضى نحو نصفها، وتنتظره انتخابات في أيار (مايو) 2022. أقل من 3 سنوات لا تكفي، وتبدأ بأهم خطوة؛ مغادرة الاتحاد الأوروبي، واضعاً تاريخاً حاسماً، هو 31 تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، أي 99 يوماً منذ توليه قيادة الحكومة قبل أيام. مهمة قاسية أطاحت برئيسين قبله؛ ديفيد كاميرون وتيريزا ماي، ويبدو أن لديه قوة تسعفه لإخراج بلاده بأقل الخسائر المقبولة. وذاك التحدي القاسي يوازيه زمناً عبث إيران وتمردها في مضيق هرمز، وإهانتها بريطانيا مع كل يوم يمضي من احتجاز الناقلة، والأيام القليلة المقبلة ستفصح إن كان رئيس الوزراء مستعجلاً على إنهاء الأزمة، أو متريثاً لمزيد من الضغط على الحليفين الأوروبيين ألمانيا وفرنسا، لتغيير نهجهما المتخاذل تجاه حكام طهران، والانتقال إلى الضفة الأميركية، رغم صعوبة التحول. يبقى أن وضع بريطانيا تحت إدارة حكومته أكثر حزماً، وأقرب إلى الولايات المتحدة لتشكيل جبهة متماسكة، قد تفرز تحالفاً سياسياً أو عسكرياً يدفع بدول كثيرة للالتحاق بها.

الموقف من التطرف ودعم “الإخوان”، معضلة بريطانية عتيقة؛ أسهموا في تأسيس الجماعة، ورعوا انطلاقتها، واستغلوا حضورها وانتشارها في إدارة سياساتهم في الوطن العربي، وتحديداً مصر. رئيس الوزراء الجديد من عجينة مختلفة، وقد يحدث شرخاً كبيراً في هذا الحلف الخفي، وقد نشهد إجراءات تمس جذوره، وتأخذه إلى مكاشفة رعاته من دول المنطقة؛ تركيا وقطر.

وذلك بعض من كثير عن منطقتنا الساخنة، ويتوقع أن يكون لبريطانيا في عهد جونسون حضور يختلف عن سابقيه، وليس كله إيجابياً، فعندما كان وزيراً للخارجية صدم المنطقة بتصريح لافت عن أزمة سورية: “قد يكون علينا أن نعيد النظر في كيفية تعاملنا”، بالتحالف مع روسيا، وإبقاء بشار الأسد رئيساً. رأيه حينها لم يجد تعليقاً من رئيسة الوزراء تيريزا ماي.

جلسات النقاش بحضور السيد جونسون في البرلمان يجب ألا تفوتها شاشاتنا الإخبارية؛ خطابة عالية، وحجة جاهزة، وقدرة على تقريع الخصوم افتقدها رؤساء حكومات كثيرة قبله، وفرصة مواتية لتنوير الرأي العام المحلي المضلل تجاه إيران والتطرف والمتطرفين.

فارس بن حزام

نقلاً عن جريدة (الحياة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *