الرأي

مناطحة العجز

محمد عبدالله الفريح

مدير إدارة النشر والترجمة - شركة العبيكان للتعليم

ذكر الحافظ السمعاني في ترجمة الإمام البيهقي رحمه الله:
اتفق أن لحقته علة فقطعت أصابعه العشرة ولم يبق له إلا الكفان فحسب، ومع هذا كان يأخذ القلم بكفيه ويضع الكاغد ( أي الورق ) على الأرض،ويمسكه برجل، ويكتب بكفيه خطاً حسناً مقروءاً مبيناً ! وربما كان يكتب في كل يوم خمس طاقات من الكاغد!

(وهذا من عجيب ما رأيته)

قال عنه أبو المعالي الجويني:

هو(الإمام المحدث المتقن صاحب التصانيف الجليلة والآثار المنيرة تتلمذ على جهابذة عصره وعلماء وقته وشهد له العلماء بالتقدم).

تعجبت وأنا أقرأ طرفًا من سيرة هذا الإمام الجليل الذي رحل عن دنيانا مخلفًا إرثًا هائلاً تتداوله الأمة بالنسخ والطباعة والنشر والتحقيق والتعليق والشروح المطوله منها والقصيرة، ومن جملة ماترك كتاب السنن الكبرى، شعب الإيمان، دلائل النبوة، البعث والنشور وسنن البيهقي،  والاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد،  والأسماء والصفات  وغيرها من الكتب والرسائل.

ويزداد العجب أكثر عندما تعلم أنه لم يذكر ما أصاب أصابعه في أي من كتبه من قريب أو من بعيد، بل إن ذلك هو ماحفزه لتدوين هذا الإرث العظيم من رحم العجز والمعاناة!! وكانوا وقتها ومازالوا ملء السمع والبصر .

أتذكر في هذا المقام المقولة الشهيرة للروائي و القاص البرازيلي باولو كويلو: (أمران فقط يمكن لهما أن يكشفا أسرار الحياة العظمى: المعاناة والحب).

المصدر: التحبير في المعجم الكبير للسمعاني 1 / 223

رد واحد على “مناطحة العجز”

  1. يقول احمد بن عبدالله الحسين:

    اختيار موفق لعنوان ورمز ذائع الصيت ، بز اقرانه في طبقة اعلام القرن الرابع هجري ، تنوعت معارفه ، وهو زاهد متعبد ، امام في الحديث والفقه ، ما وصفه المقال في فقدان أصابعه آيه لكل متدبر ، وما تركه من تآليف أعجوبة عطاء ، هكذا عصامية الرواد على مر الزمن ، لا يمنعهم عجز الجسد من اضافة قيمة وابداع حيث اذهانهم وأرواحهم تُعطي للغير . شكرا لهذا الطرح.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *