الرأي , سواليف
بقايا روح
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
أحياناً نمشي وسط الزحام … تتقاطع الوجوه ، وتتداخل الأصوات ، وتتزاحم الخطوات من حولنا، لكننا نشعر وكأننا وحدنا تمامًا . لا نسمع سوى صدى أفكارنا ، ولا نرى إلا ظلال ماضٍ يتسلّل إلى اللحظة دون استئذان . هذه اللحظات لا تأتي مصادفة ، بل تزورنا حين يثقل القلب بما لا يُقال ، وحين تزدحم الروح بأسئلة تبحث عن مخرج ولا تجد .
على شاطئ البحر، نقف أمام الموج كمن يقف أمام مرآة صادقة لا تُجامل. نراه يتقدّم حاملاً شيئًا من الآمال، ثم يتراجع آخذاً معه ما تكسّر من الأحلام . نرفع أعيننا نحو السماء ، فنجد صفاءها مرآة لصفائنا عندما نكون أقوياء ، ونرى في غيمها ملامح ما أثقل صدورنا . لحظات ، لا يكون البحر منظراً عابراً ، بل مستمع صامت نبوح له بما عجزنا عن قوله للناس ، ونضع عنده أثقالاً لا نقوى على حملها وحدنا.
هناك ، في ذلك الاتساع الهادئ ، نفهم أن الوحدة ليست جرحاً دائماً ، بل قد تكون استراحة تحتاجها الروح لتلملم ما تبعثر منها ، وتستعيد توازنها وسط ضجيج الحياة . فالإنسان لا يحتاج دائماً إلى من يُنصت إليه ، بقدر حاجته إلى أن يصغي لصوته الداخلي ، فحين يصمت الخارج يبدأ الداخل بالكلام ، كاشفاً حقائق تجاهلناها طويلًا . ومع كل لحظة صدق مع الذات ، نرى هشاشتنا التي كنا نخفيها ، ونكتشف القوة التي لم نكن ندرك أنها تسكن أعماقنا . نعرف أن الوقوف ليس هزيمة ، وأن التوقف قليلًا ليس تعثراً ، بل خطوة ضرورية نعيد فيها ترتيب مسارنا قبل أن نكمل الطريق كما نريد له أن يكون .
حديث صامت مع أنفسنا ، بعده ، نرفع رؤوسنا ، نلملم بقايا تعبنا ، نلتقط أنفاسنا…
ونعود إلى طريقنا ، ننتظر وقفة تالية مع بقايا روح .
ولكم تحياتي

