احتضان المشروع الصهيوني ظلم سافر
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
احتضان المشروع الصهيوني ظلم سافر. تاريخياً؛ بريطانيا اِسْتَأثَرْت وحدها إلى حد بعيد بالمشروع الصهيوني لأهداف استعمارية، إلا أن بريطانيا منتصف القرن التاسع عشر بدأت التنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية، وقد تجلى هذا في العمل على خلق حركات دينية تبشيرية مسيحية للتركيز على العهد القديم التوراة من أجل تهيئة عقول المواطنيين بقبول فكرة إقامة دولة يهودية في فلسطين.
من هذه الحركات المورمون السبتيون شهود يهوه وغيرها من الحركات التي ما زالت تنشط حتى الآن في مناطق مختلفة من العالم. ومن الأمثلة على ذلك، قام مؤسس كنيسة المورمون “جوزيف سميث”بارسال تلميذه “اوريسون هايد” إلى القدس عام 1840م من أجل تسهيل قبول نبوءة بعث إسرائيل حاملاً معه عدداً من كتب التوصية من وزير خارجية الولايات المتحدة، وأخرى من حاكم ولاية إلينوي.
ومنذ ذلك الوقت المبكر أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية شريكة مع حكومة بريطانيا في رعاية وتنفيذ المشروع الصهيوني، وكان اهتمامها موجهاً إلى مصير الدولة العثمانية ومصير النظام العالمي عموما. فاقتنعت بأن اِستيطان اليهود في فلسطين هو الأمر الوحيد الممكن بعد فشل مشروع إقامة مستعمرات أمريكية مسيحية في فلسطين منتصف القرن التاسع عشر. تجلى تعاون الولايات المتحدة الأمريكية مع بريطانيا بالعمل المشترك خلال الحرب العالمية الأولى 1914-1918م.
فتم تبادل الآراء بين الرئيس الأمريكي ويلسون وبين وزير خارجية بريطانيا للاتفاق على الصيغة النهائية للتصريح الذي سوف تصدره لندن بشأن الوطن القومي اليهودي فوافق الرئيس ويلسون على مشروع التصريح سراً.
خلال الحرب العالمية الأولى حينما تاكد الانتصار للدول الاستعمارية وهزيمة خصومها ومنهم الأتراك. قال الرئيس ويلسون في أب 1918م؛ “اعتقد أن الأمم الحليفة قد قررت وضح حجر الأساس للدولة اليهوديه في فلسطين بتأييد تام من حكومتنا ومن شعبنا” الولايات المتحدة الأمريكية أصبحت حاضناً وشريكاً للفكرة الصهيونية، ومن خلال سنوات الحرب العالمية الثانية كانوا أكثر اهتماماً بالمشروع الصهيوني مما دعا الرئيس الأمريكي تيودور روزفلت إلى توجيه الدعوة لعقد مؤتمر دولي لبحث مشكلة اللاجئين الأوربيين وخاصة اليهود منهم. كان الرئيس الأمريكي يهدف إلى اغتنام فرصة انعقاد المؤتمر للتركيز على فلسطين كحل لمشكلة اللاجئين اليهود، وقد هدف الرئيس الأمريكي روزفلت أيضاً إلى نقل المبادرة إلى أيدي حكومته في قضية اعتبرتها بريطانيا من اختصاصها، لأنها بذلت جهداً كبيراً لرعايتها منذ كانت مجرد فكرة قبل مئات السنين لكن الولايات المتحدة انتقدت الحكومة البريطانية لأنها وضعت قيوداً على هجرة اليهود إلى فلسطين في محاولة لإيقاف ثورة العرب الفلسطينيين.
أعلنت الحكومة الأمريكية تأييدها ودعمها لهجرة اليهود إلى فلسطين وبعد انتهاء “مؤتمر يالطا” الذي عقده الحلفاء في شهر شباط 1945 توجه روزفلت إلى مصر حيث اجتمع بالملك فاروق ثم اجتمع بالملك عبدالعزيز ال سعود الذي وصل إلى مصر على ظهر مدمرة أمريكية، وبحث معه موضوع هجرة اليهود إلى فلسطين.
كان موقف الملك عبدالعزيز هو الرفض القاطع لهجرة اليهود إلى فلسطين، يذكر أكرم الحوراني في مذكراته الجزء الأول ص 379 ما يلي: “أوفد الرئيس روزفلت الكولونيل هوكستر إلى ابن سعود للتأكد من أن الملك عبد العزيز يقبل بالاجتماع مع وايزمان، أو أي موظف آخر في الوكالة اليهودية. إلا أن الملك لم يقبل بالفكرة إطلاقاً وأخبر المُوفد بغضب أنه لن يقبل أن يرى وايزمان، وأنه لا يستطيع التكلم باسم فلسطين ولا أن يسلمها إلى أيدي اليهود”. وَمِما يؤسف له أن بعض الحكومات العربية كانت آنذاك تجهل دور الولايات المتحدة والرئيس روزفلت في تأييده لليهود في المشروع الصهيوني. روزفلت اجتمع بعد شهر من موقف الملك عبدالعزيز بالدكتور ستيفن وايز رئيس مجلس الطوارئ الصهيوني في الولايات المتحدة، حيث أبلغه روزفلت أنه قد أوضح موقفه إزاء الصهيونية في تشرين الأول 1944م وأنه لن يبدل موقفه، بل سيواصل السعي لتحقيق المشروع الصهيوني في أقرب ما يمكن من وقت، ومن ناحية ثانية أعرب الرئيس روزفلت عن ارتياحه ورضاه عن خطة الحزب الديموقراطي التي تنص على “تحبيذ فتح فلسطين لهجرة واستعمار يهوديين غير مقيدين”.
أكرم الحوراني في مذكراته نقل عن روزفلت” بأنه لا يمكن التوصل إلى أي حل للمشكلة الفلسطينية عن طريق التعامل مع ابن سعود”، وفي طريق عودته إلى الولايات المتحدة توصل روزفلت على ما يظهر إلى الاستنتاج بأنه “من الضروري القيام بطريقة جديدة كاملة”.
نرى أن الرئيس فرانكلين روزفلت كان موقفه ناتجاً عن الضغط الصهيوني عليه وعلى الحزبين الديمقراطي و الجمهوري وخوفه على المصالح البترولية للولايات المتحدة في المنطقة العربية. ولكن نائبه ترومان الذي خلفه بعد وفاته قد حسم الموقف الأمريكي بانحياز كامل لجانب الصهيونية. ومنذ بداية الحرب العالمية الثانية عام 1939م، احتلت الحركة الصهيونية مواقع متميّزة في السياسة الأمريكية الداخلية والخارجية. ازداد النقد الأمريكي للإدارة البريطانية وكتابها الأبيض الذي أصدرته لإيقاف هجرة اليهود إلى فلسطين.
ولذلك تذرعت الحركة الصهيونية للتّحول السريع بإتجاه التعاون مع الولايات المتحدة والحرب ما زالت قائمة. وهكذا أدرك زعماء الحركة الصهيونية اليهودية، أن قوة بريطانيا قد ضعفت، وأن مركزها الدولي قد اهتزّٓ بعد دخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية، وصار واضحاً لهم أن واشنطن سوف تخرج من الحرب قوية وتحتل زعامة النظام العالمي، وهنا نقلت الصهيونية مركزها من لندن إلى مدينة نيويورك ووضعت نفسها في خدمة الإدارة الأمريكية.
في شهر أيار من عام 1942م عقدت الحركة الصهيونية اليهودية أول مؤتمر لها في الولايات المتحدة في فندق بلتمور، وأعلن دافيد بن غوريون أحد زعماء المنظمة، ولاء المنظمة الصهيونية للإدارة الأمريكية قائلا: “لم يعد باستطاعة اليهود الاعتماد على الإدارة البريطانية في تسهيل إنشاء الوطن القومي اليهودي في فلسطين”. في الوقت ذاته شهدت الولايات المتحدة الأمريكية نشاطاً صهيونياً محموماً يتلائم مع متطلبات ما بعد الحرب العالمية الثانية.
دعاية أمريكا للصهيونية تم في الولايات المتحدة بالتالي؛ الدعاية للقضية اليهودية في فلسطين وذلك بتشكيل اللجنة الأمريكية لفلسطين التي ركزت جهودها لاستقطاب السكان المسيحيين في أمريكا لدعم المشروع الصهيوني.
تمّ تشكيل المجلس المسيحي الفلسطيني لتأمين موقف مؤيد للصهيونيه اليهوديه بين رجال الدين المسيحي، ومنذ عام 1944م تبنى الحزبين الجمهوري والديمقراطي برامج مؤيده للصهيونية في حملات الدعاية للانتخابات الرئاسية.
تعبئة عامة شملت جميع الأجهزة الحكومية والشعبية في أمريكا والتي تمخض منها تشكيل عدد من أعضاء مجلس الشيوخ كتل مناصرة للمشروع الصهيوني.
عام 1942م انضم ثلث أعضاء مجلس الشيوخ إلى عدد كبير من الشخصيات الأمريكية في توقيع على عريضة تطالب الحكومة الأمريكية بتشكيل جيش يهودي ينضم إلى صفوف الحلفاء في الحرب.
أما الحركة الصهيونية فهي الأُخرى بذلت قصارى جهدها لتواكب تنفيذ قرارات المؤتمر الصهيوني الأول المنعقد في سويسرا عام 1897م والتي منها: تأسيس جمعية يهودية تمثل الاتحادات المالية اليهودية.
مواصلة تأمين خطة هجرة الزراعيين والصناعيين من اليهود إلى فلسطين.
جعل اللغة العبرية لغة رسمية ويجب أن يتعلمها جميع اليهود وبخاصة المهاجرين إلى فلسطين، أحد الوثائق السرية التي بُحثت في هذا المؤتمر ما يُدعى بروتوكولات حكماء صهيون.
ختاماً؛ الصهيونية دهاء ومكر تبنته قوى غربية واستعمارية، وظلم انتهكت فيه الحقوق والقيم الإنسانية، لا زالت إفرازاتها وأنينها إلى اليوم. والحال كما تقول العرب بالمثل؛ ضِغْثٌ على إبَّالَةٍ، وهو وصف تراكم الهموم والمشاكل فوق بعضها.
رحم الله الملك عبدالعزيز لموقفه الصادق تجاه فلسطين، ولا زال أبناؤه الملوك وأحفاده على إثره أوفياء للقيم والمبادئ، والدعم المعنوي والمادي الذي لا يقف.
حمى الله ديار العرب والمسلمين من كيد الكائدين، وحفظ دول خليجنا العربي من كل سوء، وخسر وخاب كلّ متكبر جبار.