الحج ملحمة إنجاز .. وبلاد الحرمين أهّل لها

حجم الخط |
- A+
- A
- A-
الحج ملحمة إنجاز وبلاد الحرمين أهّل لها، وهو شرف تكليف وفخر تقدمه المملكة العربية السعودية لحجاج بيت الله الحرام، تبذل فيه ما فوق الوسع، وتُسخّر عصارة المُمْكن، وتوظّف أحدث تقنيات، وتتبارى فيه تنافسية الأفضل، خدمةً وتيسيراً لأداء شعيرة وركن عبادة.
طوال السنة والحج ومرافقة ولوازمه في جذوة تفكير وتخطيط، ومتابعة وتنفيذ سعياً للأمثل، وعاماً بعد عام دهش تراه في صنيع الميدان. ولا غرو لما تشاهده ترى فيه ملحمة إيفاء. منظومات ومتطوعون في موسم الحج وأثنائه من قطاعات الدولة تعمل بإنسجام، توفر أمناً وأماناً، ونقل وطعام، وطرقاً مرسومة بانتظام. الإمكانيات مرفوعة السقف، والصلاحيات على الأرض لا تقف. المتابع والمراقب يرى إنجازاً لا يُبارى، تفرداً وتطوراً ونمواً وإستشرافاً للأفضل خدمة لضيوف الرحمن.
الحج مرتبط بمقام شهر ذي الحجة خاتم السنة القمرية، وأحد الأشهر الحُرم الأربعة المذكورة بالقرآن الكريم (ذي القعدة وذي الحجة ومحرم متتالية وينفرد عنها رجب) ﴿إن عِدَّة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حُرُم﴾.
تاريخياً، القبائل العربية توقر هذه الأشهر بالسلم فلا إغارة أو تحريض وهجاء بينها، وذو الحجة عندهم تُقام فيه شعائر الحج والتعظيم لبيت الله، لا تعظيم لأحد إلا هو، وهذا هو ما عليه هدي القرآن والسنة النبوية.
ومن الحج أخذ الشهر اسمه، ومع الحج تلتقي جموع القبائل، وبعضهم يأتي للحج بعد انصرافه من سوق عكاظ أواخر ذي القعدة قادماً إلى مكة. ذو الحجة يومه التاسع يكون الحج الأكبر شعيرة الوقوف عند جبل عرفات، ويومه العاشر عيد الأضحى الذي شُرعت الأُضحية طاعة لله تخليدًا لحكاية أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام.
خدمة الحجيج سلوك تتفاخر به العرب قبل الإسلام، وامتد كذلك في العهد الإسلامي عبر قرون وسلالات مضت، وكلٌّ قد فعل وسعه ضمن ملابسات عصره. التاريخ حدثنا عنها.
وفي عهد آل سعود يذكر التاريخ أن جد الأسرة السعودية الأمير إبراهيم بن موسي بن ربيعة بن مانع المريدي الذي تولى الحكم في الدرعية عام 981هـ -1573م، قد أولى ضبط الأمن وتأمين طرق القوافل للناس والحجيج على وجه خصوص. وتؤكد مراسلات بعض الأئمة من آل سعود، أن قيام دولتهم حدث بسبب حرصهم الأول على حفظ الأمن ونشره في مختلف أرجاء البلاد، وهو ما يسمى في زمنه (الأمنية) كما في خطابات الإمام سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود ونص خطابه إلى والي العراق بقوله: “وأما الأمنية فهي التي لا نزال نقاتل الناس عليها حتى جعلنا الأرض كلها لله وجميع المسلمين مشتركون فيها، وصار الذئب لا يقدر يضر الشاة في أحكامنا”. ويؤكد الإمام سعود لوالي بغداد العراق علي باشا الكتخدا، أنه متعهد بتحقيق الأمن للحجاج بقوله: “ألا تتعرض للحجاج الذين يأتون إليك من طرف العراق مع الأمنية العمومية في جميع الطرق. وهنالك وثيقة من سلطان المغرب المولى سليمان بن محمد العلوي إلى الإمام عبد الله بن سعود آخر ائمة الدولة السعودية الثانية، حيث أرسل له رسالة مفادها الشكر لله، ثم شكر الإمام على تأمين الطرق والسبل وتأديب القطاع والنهاب فقال: “من ملّكه الله أزمة العرب، وقيادها فأحسن سياستها وأصلح سيرتها ومهد بلادها ويسر على يديه حسنة أمن السابلة من القطاع والنهاب، وحصل في الدواوين أفضل جزاء وحسن مآل”. وهناك غير هذه النصوص التي تجمع أن هدف قيام الدولة على يد آل سعود إنما لباعث أمني، فالأئمة لم يتعرضوا لتغير معتقدات الناس، ولم يلزموا أحد باتباع مذهبهم. وهكذا المجتمع السعودي يبذل وسعه مع القوافل التي تأتيهم للحج وحمايتها وتيسير وصولها إلى الأماكن المقدسة. حدثنا التاريخ عن قيام جد الأسرة السعودية الأمير إبراهيم بن موسى بن ربيعة بن مانع المريدي بذلك كما في أقدم وثيقة للأسرة السعودية عام 981هـ – 1573م، وكذلك قيادة أميري الدرعية وهما مقرن وربيعة ابنا مرخان بن إبراهيم بن موسى بن ربيعة وحجهم في عام 1039هـ – 1630م.
أما كسوة الكعبة الشريفة فتُعد من أهم مظاهر التبجيل والتشريف لبيت الله الحرام، حيث يرتبط تاريخ المسلمين بكسوة الكعبة المشرفة وصناعتها وبرع فيها أمهر العاملين في هذا المجال في العالم الإسلامي، تسابقوا لنيل هذا الشرف العظيم. كساء الكعبة الآن هو من الحرير الأسود المنقوش عليه آيات من القرآن من ماء الذهب، تُكسى به الكعبة ويتم تغييرها مرة في السنة، صبيحة يوم عرفة.
الحكمة من كسوة الكعبة أنها شعيرة إسلامية، وهي إتباع لما قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام من بعده، فقد ورد أنه بعد فتح مكة في العام التاسع الهجري كسا الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع الكعبة بالثياب اليمانية، وكانت نفقاتها من بيت مال المسلمين. وهكذا استمرت عبر العصور الإسلامية دونما انقطاع إلى عهد المؤسس الملك عبدالعزيز آل سعود رحمه الله، أصبحت صناعة كسوة الكعبة عبر دار خاصة بمحلة أجياد بمكة المكرمة وهذا في عام 1346هـ. وتم فيها أول حلة سعودية تصنع في مكة المكرمة.
كسوة الكعبة المشرفة تستبدل في اليوم التاسع من ذي الحجة من كل عام. تواصل الاهتمام في صناعة الكسوة وتطويرها حيث انتقل مصنعها عام 1397هـ إلى مبناه الجديد بأم الجود وجُهز بأحدث المكائن المتطورة في الصناعة، وظلت حتى الآن تصنع في أبهى صورها.
المملكة العربية السعودية ارتبطت جذورها بالعرب ورسالة الإسلام. وهي تشهد آفاق نمو مضطرد، وبإذن الله خلال العقود المقبلة ستتشكل آفاق جديدة وتُفتح أبواب واسعة، وهذا فيه إضافة ذات قيمة للعرب والمسلمين، لأخذ دور فعال مع الأمم لتبادل حضاري وإنساني.