نموت عشرات المرات ونحيا من جديد

محمد البكر

قد تستغربون من عنوان هذا المقال . وقد ينزعج البعض عند ذكرنا للموت . ولكني سألت نفسي ذات يوم سؤالاً فلسفياً ، عما إذا كنا كبشر نموت عدة مرات قبل موتتنا الأخيره . أعذروني فالحديث عن الموت مفزع بلا شك .

يموت الإنسان مراتٍ لا تُحصى قبل أن يصل إلى موته الأخير . يموت بصمت ، بلا جنازة ولا مشيعين ، ولا يُكتب في الصحف خبر رحيله . هناك موتٌ يحدث داخل الروح ، لا يراه أحد، لكنه يترك أثره في نظرة العين ، في ثقل الخطوة ، وفي الحنين الذي لا يهدأ .

يموت الإنسان حين يفقد شخصاً كان جزءاً من تفاصيل يومه ، حين يغيب صوتٌ اعتاد أن يطمئنّه ، أو تختفي ضحكة كانت تفتح له أبواب الفرح . هذا الفقد لا يشبه الرحيل الجسدي ، إنه موت يترك القلب معلّقاً بين الذاكرة والواقع ، بين ما كان وما لا يمكن أن يعود .

يموت الإنسان عندما يكتشف أن الطريق الذي سار فيه سنوات ، لم يكن طريقه حقاً . عندما ينهار حلم ظنّ أنه سيحمله إلى الضوء . وعندما يكتشف أن الناس الذين منحهم ثقته لم يكونوا سوى عابرين تركوا وراءهم جرحاً لا يلتئم .

هناك موتٌ يحدث في لحظة انكسار، حين نشعر بأن الحياة ضاقت على اتساعها ، وأن ما تبقى لنا مجرد محاولة للبقاء واقفين .

يموت الإنسان أيضاً حين يخون نفسه ، حين يتنازل عن جزءٍ من روحه كي يرضي الآخرين . حين يبتلع حزنه ، ويخفي خوفه ، ويُلبّس قلبه ثوب القوة وهو يعلم أنه يتشقق من الداخل . يموت حين يفيض صبره ولا يجد كتفاً يسند عليه تعبه .

ومع ذلك… فإن أعجب ما في الإنسان أنه يولد من جديد بعد كل هذه الموتات . يستيقظ في صباحٍ ما ، فيجد داخله بقية نور، ويدرك أن قلبه – رغم ما مرّ به – لا يزال ينبض برغبة خفية في العيش . يجمع أشلاءه ويعيد ترتيبها ، يرمم ما يمكن ترميمه ، ويواصل السير وكأنه لم يتحطم عشرات المرات .

ربما هذا هو سرّ الحياة .. أننا نموت مراراً لنفهم قيمتها ، وننكسر لنكتشف قوتنا . الإنسان لا يموت مرة واحدة… بل كلما أحبّ بصدق ، وخُذل بعمق .

كونوا شجعاناً حتى لو هبت عليكم عاصفة توجعكم ، ولا تموتوا وأنتم على قيد الحياة . ولكم تحياتي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التخطي إلى شريط الأدوات