لست قاسياً .. إنما الجرح أعمق

محمد البكر

يحتفل العالم بيوم التسامح ، وكأن الفضيلة يمكن أن تُحصر في يوم واحد . لكن الحقيقة أن التسامح ليس قراراً عابراً، ولا موقفاً جاهزاً نعلّقه على جدار الأخلاق ، بل هو مساحة داخل القلب ، تتسع لمن يستحق ، وتضيق حين يرهقها الألم .

نحن نتسامح مع من يخطئ ثم يعود ، مع من يعتذر بصدق ، ومع من يغيّر سلوكه لأن العلاقة عنده أغلى من عناده . نتسامح مع من تربطنا بهم وشائج الدم ، أو ذكريات العمر، أو الوفاء الذي لا يصدأ . هؤلاء حين يزلّون نعرف أن الخطأ طارئ ، وأن قلوبهم صافية حتى لو ارتجفت لحظة .

التسامح لا يكون دائماً فضيلة . فهناك لحظات يصبح فيها عبئاً على صاحبه ، خصوصاً حين يتحوّل إلى قبول مستمر لخطأ يتكرر بلا توقف . عندها يفقد التسامح معناه ، ويتحوّل إلى استنزاف يرهق الروح ، ويقلل من قيمة الإنسان أمام نفسه قبل الآخرين .

ليس صحيحاً أن من لا يسامح قاسٍ أو متكبر . أحياناً يصبح الجرح أعمق من القدرة على الانحناء مرة أخرى ، ويصبح صعباً على القلب أن يواصل العطاء بينما ما يتلقاه في المقابل هو الخذلان . الامتناع عن التسامح في بعض المواقف ليس انتقاماً ، بل حفاظاً على ما تبقى من توازننا الداخلي .

الشعرة الدقيقة بين المتسامح والمغفّل ، أن المتسامح يمنح فرصة … أما المغفّل فيمنح فرصاً بلا نهاية . المتسامح يضع حدوداً… والمغفّل يترك الجميع يعبرون فوقه . المتسامح يحفظ كرامته… والمغفّل يعلقها على مشجب ” الطيبة” .
في يوم التسامح ، نتذكر أن العبرة ليست في كثرة ما نسامح ، بل في حسن اختيار من يستحق هذا التسامح ، وفي معرفة اللحظة التي نقول فيها بكل هدوء ” لست قاسياً .. إنما الجرح أعمق ” . ولكم تحياتي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التخطي إلى شريط الأدوات