أصدقاء من ورق

محمد البكر

يقولون إن الشدائد تكشف معادن الرجال ، لكن التجربة أثبتت أن الأفول – سواء كان أفول مال أو منصب أو شهرة – هو المصفاة الحقيقية التي تُسقط الأقنعة وتُظهر من بقي وفيّاً ومن كان مجرد عابر مصلحة .

فكم من ملياردير عاش محاطًا بالأصدقاء ، ثم حين أفلس لم يجد بجانبه إلا فراغاً ثقيلاً . أسماء عالمية مثل مايك تايسون أو إيك باتيستا خير مثال . ثروات هائلة تبعثرت ، ورفاق البذخ والولائم تبخروا مع أول أزمة . لا يختلف ذلك الأمر عما يحدث في عالمنا العربي ، فقد عشنا مشاهد مشابهة في خليجنا ، من سوق المناخ في الكويت إلى سوق الأسهم السعودي ، وقس على ذلك ، شركات مقاولات عملاقه .. شركات تجارية ، وغيرهم ممن تحولت حياتهم من حياة البذخ والرفاهية إلى حياة الحاجة والضائقة المالية وربما إلى السجون .

ولم يسلم الكثير من الفنانين والرياضيين من هذه القسوة . إسماعيل ياسين الذي أضحك الملايين ، مات وحيداً مثقلاً بالديون بعد أن تركه الوسط الفني . ومارادونا ، الأسطورة الذي كانت الجماهير تهتف باسمه ، واجه وحده فترات الانكسار والإدمان بعدما تخلّى عنه كثير ممن صنعوا معه المجد .

رغم قساوة تلك القصص ، إلا أن قصص أصحاب المناصب أشد قسوة . فحين يكون المسؤول في موقعه ، يجد المديح من كل جانب ، وتلتف حوله دوائر واسعة من المعارف والأصدقاء . لكن ما أن يترجل عن الكرسي حتى يكتشف أن معظم تلك الوجوه اختفت مع اختفاء السلطة . لقد تنوعت القصص لكن كانت خاتمة أصحابها سواء كانوا رؤوساء دول أومشاهير أو أصحاب مناصب نافذين ، كانت خاتمة واحدة … عزلة وصمت ثقيل بعد حياة صاخبة .

المال والشهرة والسلطة ليست سوى مغناطيس يجذب حول صاحبه دائرة وهمية من العلاقات. لكن ما أن ينكسر ذلك المغناطيس حتى يتناثر من حوله الجميع ، ويبقى فقط الصديق الحقيقي الذي لا تهمه أرصدتك ولا أضواؤك ولا منصبك .
إنها تجربة موجعة ، لكنها درس لكل من يريد أن يفهم كيف يختار أصدقاؤه . فدوام الحال من المحال . ولكم تحياتي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التخطي إلى شريط الأدوات