الحكاية الخفية للمخ والأمعاء

سجى آل رحمه

تخيل أنك تقف أمام جمهور ينتظر حديثك، تستعد لتقديم عرض تقديمي مهم، في تلك الثواني التي تسبق البداية… كيف تشعر؟ هل بدأت معدتك بالانقباض؟ هل صار الهواء أثقل قليلاً وكأن الغرفة ضاقت بك؟ هل تسارعت أنفاسك وعصفت في داخلك دوامة من الترقب؟

لطالما حيرني هذا الأمر: لماذا تكون المعدة أول من يشعر بالخوف؟ لما هي مركز شعورنا الأول، والبوابة التي تعبّر منها أحاسيسنا قبل أن تمر على عقولنا ووعينا.

في التوتر، في الفرح، في الحزن، وحتى في الصدمة، دائماً ما يفهم جهازنا العصبي الرسالة ويبدأ في التصرف كردة فعل، فتنكمش المعدة قبل أن ندرك السبب.

أتذكر ذلك بوضوح في لحظات الانتظار الطويلة: حين ننتظر نتيجة اختبار مصيري ومهم، أو خبراً قد يغيّر مجرى مستقبلنا، أو لحظة وصول عزيز طال غيابه وانتظاره، كل هذه المشاعر تسكن أحشاءنا قبل أن تبلغ وعينا.

حتى وصلتني توصية بقراءة كتاب «علاقة العقل بالأمعاء» للدكتور إمران ماير، كانت رحلتي معه أشبه برحلة اكتشاف داخل الجسد، رحلة أضاءت لي الكثير من الإجابات عن هذا الرابط الخفي بين “الفكر والشعور والجهاز الهضمي”فأيقنت بأننا نمتلك عقلًا آخر يسكن في أحشائنا، عقل لا يشبه عقول أدمغتنا، لا يتحدث بالكلمات بل بالإشارات، يفرح ويحزن على طريقته، ويحمل ذاكرة لا تقل عمقاً عن ذاكرة أدمغتنا الفعلية.

هذا العقل لا ينسى الحزن الذي ابتلعناه بصمت، ولا القلق الذي حاولنا هضمه، ولا الغضب الذي أسكنّاه قسرا ًفي أعماقنا.

بين المخ والأمعاء طريق طويل من الإشارات الكيميائية الصامتة، خط ساخن لا ينقطع، ينقل الرسائل من الرأس إلى الجهاز الهضمي (والعكس) بسرعة مذهلة.

فعندما نخاف أو نقلق، يلتقط المخ الإشارة، ثم يرسلها إلى الأمعاء فتستجيب بانقباض أو ألم، أو ربما بشعور خفيف يشبه رفرفة فراشات صغيرة في دواخلنا حين نفرح.

أما الميكروبيوم (تلك البكتيريا النافعة التي تعيش بالمليارات في جهازنا الهضمي) فهي شريكة في صياغة أمزجتنا أكثر مما نظن، تتأثر بما نأكله، وبما نشعر به، وترد علينا بلغتها الخاصة.

في النهاية ندرك بأن العلاقة بين المخ والأمعاء هي علاقة تبادلية، كل منها يكّون شكل الآخر وما نفكر به يتحول إلى كيمياء، وما نأكله يصبح شعوراً.

قال كارل يونغ: “حين يصمت العقل، يتحدث الجسد.”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التخطي إلى شريط الأدوات