الجندي الخفي خلف سلوكياتنا
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
هل تتذكر آخر مرة ثارت أعصابك غضباً على موقف ما، بينما زميلك اختار الصمت وابتلع الموقف بكل هدوء؟ ماذا عن لحظات الحزن حين تنطلق في التعبير عن المأساة والشعور الذي يسكن دواخلك، بينما يفضل الآخر الصمت والتقوقع على ذاته لعله يتعافى بالعزلة؟
ولماذا يضحك أحدنا من قلبه على نكتة عابرة، بينما يكتفي الآخر بابتسامة عابرة ويمضي؟
ولماذا يكون بعضنا انتقائيون في اختيار الأصدقاء، بينما آخرون منفتحون على العالم، يحتضنون في قلوبهم مئات الأصدقاء؟
وماذا عن الهادئون الذين يفضلون الانزواء والسكينة في إجازة نهاية الأسبوع، بينما يندفع آخرون نحو جدول مزدحم بالأنشطة والمطاعم والأسواق والفعاليات حد التخمة؟
من يقف وراء سلوكياتنا واختياراتنا في الحياة؟ من يقطن عقولنا ويرسم لنا الطرق التي نسلكها ويقرر أيهم أصح لنا؟ هل هي أدمغتنا التي تحسم تلك القرارات؟ أم حدسنا؟ أم الحالة المزاجية الراهنة التي تحدد انطباعاتنا وردات فعلنا واختياراتنـــا؟
في الحقيقة، حين بحثت عن السبب وراء سلوكياتنا هالتني كثرة العوامل التي تصطف في ظلام كواليس أدمغتنا، بعضها ندركه بوضوح في عقولنا الواعية، والبعض الآخر يختبئ في اللاوعي، ومع ذلك يملك النصيب الأكبر في هندسة تصرفاتنا وسلوكياتنا بدقة مذهلة.
في داخل “معمل كيميائي” افتراضي في عقولنا، تُسكب عدة عوامل في وعاء السلوك والتصرف وردات الفعل، لتُشكل سلوكاً ذا بصمة فريدة يمتاز بها كل شخص عن الآخر ومن أبرز هذه العوامل: الهرمونات،فارتفاع هرمون الأدرينالين مثلًا قد يجعلنا أكثر حدة في ردات أفعالنا، بينما ارتفاع هرمون الدوبامين قد يجعلنا نحلق خفة من شدة السعادة، وللجغرافيا أيضاً نصيب الأسد في رسم ملامح شخصياتنا وسلوكياتنا، فالطقس وتضاريس المدن وشكل الحياة فيها، بين صاخب وهادئ، جميعها تعزف إيقاعاتها في دواخلنا بمزيج فريد. ولا يمكننا الحديث عن السلوك والشخصية دون التوقف عند الوراثة، انظر إلى والديك ستكتشف في مواقف كثيرة أنك نسخة تشبههما بطريقة أو بأخرى، سواء في القناعات أو الانطباعات أو حتى الأفكار، وربما تكون الجينات هي حجر الأساس الذي تُبنى عليه سلوكياتنا، ثم نكملها نحن بخبراتنا وتجاربنا الحياتية.
في كل مرة تفرح أو تحزن أو تغضب، تذكر تلك الشبكة الخفية من الأسباب التي تتداخل لتشكل خريطتك المميزة، ومع كل تجربة جديدة أنت تختبر أفكارك وسلوكياتك، وتكتشف نفسك من جديد، وحين تستبدل سؤال: “لماذا تصرفت هكذا؟” بسؤال: “ما الذي شكل هذا التصرف داخلي؟”حينها لن ترى في ردات أفعالك مجرد سبب عابر، بل نتيجة لتكامل شبكة من الأسباب التي صنعت بصمتك الفريدة، المميزة التي لا تُشبه أحداً غيرك.