قبر باريس وعقيدة الاغتيالات
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
عند زيارة مقبرة بير لاشيز في باريس بدلاً عن خردة الحديد برج إيفل؛ يلفت انتباهك قبر برخام أسود وأحرف عربية مذهبة يتوسط قبري الروائي الفرنسي مارسيل بروست، والفنان القبائلي الجزائري حميد شريّط إدير، وكُتب على هذا القبر بالخط العربي الجميل اسم (محمود الهمشري).
دفعني الفضول إلى غوغلة الاسم فعرفت أنه كان أول سفير لفلسطين في فرنسا، اغتاله جهاز الموساد الإسرائيلي في باريس عام 1973م، وعمره 33 سنة.
فإسرائيل تمتلك تاريخ طويل من الاغتيالات والقتل وملاحقة السياسيين الفلسطينيين في كل مكان، وما نشاهده اليوم من محاولات واغتيالات لقيادات حماس ليس جديدا، فقد انتهت الصهيونية من تصفية وسجن قيادات ونشطاء منظمة فتح منذ تأسيسها حتى رضخت ووقعت أوسلو مع الكيان، وبالتالي خرجت ورجالها من دائرة وتهمة الإرهاب، وبقيت في محيط الذل والضعف.
وبعد توقيع اتفاق أوسلو المشؤوم بعدة أشهر، وجهت الصحافية منى سكري سؤالا إلى الأمين العام لجبهة تحرير فلسطين المسيحي جورج حبش، هل ستكون المحارب الأخير؟. رد عليها: لا يمكن، بإمكانك أن تأخذي عنوان المحارب من الشاب الذي استشهد في غزة واسمه عماد عقل، ومن الشهيد مصطفى عكاوي ومن غيرهم، وبالتالي سترين الجيل الجديد.” وفقا للأرشيف الفلسطيني.
الاغتيال والقتل لا يطال الفلسطينيين فحسب؛ بل كل من يؤثر أو يُعتقد بأنه مؤثر في سبيل نيل الفلسطينيين حقوقهم وأرضهم، بدءا من 1948م عندما تأسس هذا الكيان، حيث في العام نفسه اغتالت إسرائيل الدبلوماسي السويدي فولك برنادوت في القدس، وهو أول وسيط سلام في القضية الفلسطينية، وقد اقترح وضع حد للهجرة اليهودية وأن تكون القدس بأكملها تحت السيادة الفلسطينية، لذا اغتالته منظمة مناحيم بيغن الإرهابية بعد يوم واحد من موافقة دولية بالإجماع على خطة الحل السلمي في فلسطين.
والاغتيال ما يزال مستمرا ليطال حتى غير السياسيين من الناشطين مثل الأميركية راشيل كوري التي دهستها جرافة عسكرية خلال الانتفاضة الثانية، ومئات الصحافيين الفلسطينيين الذين يتساقطون واحدا تلو الآخر بطلقات القناصة وبالقنابل، سواء الآن في حرب غزة، وحتى قبل ذلك مثل شيرين أبو عاقلة وغيرها.
كتب سمير عطالله في مقالته في جريدة الشرق الأوسط الجمعة 12 سبتمبر الجاري: “الدرس الإسرائيلي في اعتداء الدوحة هو: للذين أخذوا بوعود إسرائيل بوصفها دولة تحترم المواثيق والالتزامات. وهي لم تنقض فقط تلك المواثيق، بل حاولت قتل أصحابها.” يضيف، فمسألة الاغتيالات تقع في صلب العقيدة الصهيونية، ولم تتغير ولم تتوقف من 1948م إلى اليوم.
فأي دولة تغتال سفير دولة أخرى، وأي دولة تغتال الصحفيين والناشطين، وأي دولة تغتال مبعوث السلام بدءًا من الدبلوماسي السويدي برنادوت في عملية القدس، وصولًا إلى ممثلي حماس في اعتداء الدوحة الأخير!!

قبر محمود الهمشري في مقبرة بير لاشيز في باريس