الغرباء العابرون

سجى آل رحمه

كانت سيدة تكبرني بما يقارب عقدين من الزمان، نقف متجاورتين في طابور انتظار، التفتت نحوي مبتسمة ثم اختبرت قابليتي للحديث حين قالت: “أول مره تجين هذا المحل؟ ابتسمت لها بدوري، وأدرت جسدي نحوها لأواجهها عن قرب وقلت: أي أول مره ثم لاحظت تعب ملامح وجهها فقلت: ” استريحي عالكرسي ياخالة لاتوقفين” ردت علي وهي تتوجه للكرسي وتقول: “مشكورة يابنتي”

شي ما في داخلي شدني لها ولحديثها فاقتربت منها وأخذنا نتحدث عن الحياة بشكل عابر مالت نحوي وبصوت مثقل بالتجربة بدأت تسرد حكايتها مع ظرف ما، والصعوبات التي غيّرت مجرى حياتها، وكيف تتبدل شكل الأيام حين تتعايش مع ظروف معينة.

كنت أستمع لها بكل حواسي، أقرأ الدمعات التي هربت من زاوية عينها ، وأتتبع ارتجافة صوتها وهي تحكي عن مخاوفها ، وأراقب يديها المتشابكتين بقوه، كنت أصغي بكياني كله و ألتهم بقلب مبهور قوتها في مواجهة الظروف، وأتشرّب صلابتها وهي تقبل على ما تبقى من حياتها بكل أمل، صلابتها تلك التي اصطبغت بكل ما مرت به من تحديات، وخرجت منها متماسكة، يومها أدركت بأن كل غريب من حولنا يعاني بطريقته، يكافح نحو الأمل بأسلوبه،

ينادي بصوت قد لا نسمعه، ويشهق بألم قد لا نراه. وأيقنت بأن الغرباء العابرون ليسوا مجرد شخوص فحسب، بل عوالم متحركة في فلك الحياة أحزان مكتومة في ملامحهم، أحلام مخبأة خلف عيونهم، أفراح تطير كفراشات في دواخلهم، ومخاوف تحوم كسرب غربان فوق رؤوسهم، كون كامل يعيش داخل جمجمة واحدة

وتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر” فكل إنسان كينونة متفردة، وعالم داخلي عميق شكلته ظروفه وصقلته تجاربه، أن تتحدث مع غريب في طريق، أو محطة انتظار أو معرض فني يعني أن تسمح لنفسك بالوقوف على نافذة تطل على ذات أخرى ذات قد تشبهك في جانب، وتختلف عنك في جانب آخر، لهجة جديدة، منطق مختلف وجهة نظر منبثقة من منظور آخر لحظة زمنية فريدة تصب فيها أفكار لم تعهدها، ونبرات صوت لم تألفها ، وذات مدهشة في اختلافها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التخطي إلى شريط الأدوات