مقتبس من قصة حقيقية
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
الأمر مُحير فعلاً… أن تبحث عن فيلم يتناغم مع مزاجك في ذلك اليوم وفي تلك اللحظة بالتحديد، تتنقل بين التطبيقات، تغوص في بحر لا نهاية له من الخيارات: كوميديا، رعب، دراما، أكشن، فانتازيا، خيال علمي… تتأمل الأغلفة، تقرأ الملخصات، ثم تختار دون تخطيط أو تفكير طويل أحد الأفلام، ويبدأ العرض وفي ذيل الشاشة السوداء تظهر جملة صغيرة خجولة : “فيلم مقتبس من قصة حقيقية”.
توقفت عندها قليلاً… ودون أن ألحظ، تغيّر شيء ما، انطفأ شعور التسلية العابرة، واتقد ذهني بانتباه حاد ويقظة كاملة، بدأت أراقب بطلة الفيلم بتركيز، أتابع كل حركة، أترصد كل تعبير على وجهها، شعرت وكأنني شاهدة على حدث كبير، وعلى كارثة وشيكة، وعلى حياة تتهاوى وأخرى تولد عبر سياق الأحداث.
لم أكن أشاهد فحسب، بل كنت أتفاعل، أراقب، وأخمن، ثم أتنفس الصعداء حين تتجاوز البطلة العثرات وتنجو.
كانت الجملة البسيطة تلك “مقتبس من قصة حقيقية” كفيلة بأن تحول المشاهدة من فعل عابر إلى تجربة حقيقة، تساءلت بعدها ما سر هذه العبارة؟ لماذا نحمل لها هذا القدر من الحماسة؟ لماذا نصغي بكل حواسنا، ونتعلق بالتفاصيل كما لو أنها تعنينا؟
ربما لأن القصص الواقعية تُشعرنا بأن كل شيء ممكن وكأن أحدهم صب في وعينا احتمالات أكبر للحياة، وأن ما نراه على الشاشة ليست خيالات كاتب، ولا رؤية مخرج، بل مشاعر صادقة، حياة حقيقية خاضها شخص ما في مكان ما.
ولأننا في القصص الواقعية لا نكتفي بالمشاهدة، بل نختبر الحياة من جديد عبر الآخرين، فنجرب الألم والدهشة والفقد والانتصار، ونعيش سيناريوهات لم نخضها من قبل، لكننا نشعر بها بعمق ونحن نعبر الأحداث ونقفز فوق سياقات القصة، فنفرح ونصفق تارة، ونقلق ونحزن تارة أخرى.
انتهى الفيلم، لكن الشعور لم ينته، ظلت الفكرة ترافقني: كيف يمكن لجملة واحدة أن تُخرجنا من بلادة الوقت إلى احتمالات الحياة؟ أن تزرع فينا وعياً جديداً عبر قصة عابرة، لمست شيئاً فينا لم نكن نعلم أنه موجود؟
“مقتبس من قصة حقيقية” ليست مجرد مقدمة…بل بوابة نحو حياة أخرى، وعي آخر.