كيف نعيد تركيزنا المسلوب ؟

سجى آل رحمه

في أحد الأيام، وجدت نفسي أقلب هاتفي كمن يبحث عن شيء ضائع، أحوم بين التطبيقات أبحث عن شيء لا أعرف كنهُه، أتوق لمعلومة لا أعرفها، أطمع في جرعة ثقافية دون أن أعي وجهتها، حتى وقعت عيناي على منشور يحمل عنواناً لافتاً:

توقف عن استهلاك المحتوى السريع.. ستُصاب بتعفّن الدماغ

قرأت العنوان مراراً، توقفت عند كلماته طويلاً: تعفّن الدماغ؟! لعمري لم أكن أعلم أن الدماغ قد يصاب بالتعفن !

أخذني الفضول ففتحت المنشور، ولعلها كانت لحظة فارقة غيرت علاقتي مع المحتوى الرقمي السريع.

مصطلح “تعفّن الدماغ أو brain rot”، وفقاً لجامعة اكسفورد يشير إلى تلك الحالة الذهنية المتدهورة التي تفقد فيها عقولنا القدرة على التركيز والاستيعاب، بسبب الاستهلاك المفرط لمحتوى سريع، متلاحق، ومتقلب، لا يمنح العقل فرصة للفهم أو التأمل أو التفاعل الحقيقي.

أعي اليوم أن الاستهلاك المفرط للمحتوى السريع وتحديداً المقاطع القصيرة التي لا تتجاوز ثوان معدودة تماماً مثل استهلاك كميات كبيره من وجبات الطعام السريعة، تلك التي تُشبعك بسرعة، لكنها تترك جسدك مثقلاً وخالياً من القيمة، كذلك هو المحتوى السريع، نستهلك العشرات منه في جلسة واحدة، وربما المئات دون أن نعي الكم الهائل من المعلومات المتضاربة والمتنوعة، التي نخزنها مؤقتاً في عقولنا، أخبار، ترندات، نصائح، ثقافة عامة، مقاطع تحفيزية، وكل ذلك خلال جلسة واحدة من التمرير المستمر.

ربما كل ما نحتاجه اليوم لحظة وعي صافية، نطفئ فيها الشاشة قليلاً ونعود ونستكن لعقولنا، لحظة نتأنى فيها ونقرأ بتمعن وتركيز، ونفكر بوعي قبل أن نقضي ساعات من التمرير بين كم هائل من المقاطع القصيرة، فالعقل الذي لا يغذى بوعي يهلك بصمت.

ولا شيء أثمن من التركيز حين يصبح العملة النادرة في زمن التشتت.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التخطي إلى شريط الأدوات