وطنٌ عظيم

محمد البكر

ثمّة أمور، مهما كتبتَ عنها، ومهما وصفتها، تجد نفسك مقصّرًا. وإن تحمّست للكتابة، خَشيتَ ألّا توفّيها حقها ، فالأفعال على الأرض أبلغُ من أيّ كلمات.

يقول صاحبي الذي أدّى مناسك الحج هذا العام، إنه ظلّ طيلة أيام الحج منبهرًا بما يراه على أرض الواقع. فتنظيم تحرّك أكثر من مليون وسبعمائة ألف حاج في وقتٍ واحد، وفي مكانٍ واحد، ثم يقصدون وجهات متعددة، لهو أمرٌ يفوق الوصف.

في الطرقات المؤدية إلى مواقع المناسك، ينتشر الشباب السعودي . منهم من ينتظر سؤالاً من حاج، وآخر يقدم لك الماء البارد أو العصير الطازج بالمجان، وثالث يحمل معه ثلاجة متنقلة يقدم لك منها المثلّجات، وهم واقفون تحت أشعة الشمس الحارقة في منتصف النهار، لينالوا شرف العمل التطوعي والبحث عن الأجر.

عشرات الآلاف من رجال الأمن من مختلف القطاعات الأمنية، ومثلهم من الكوادر الصحية، والهلال الأحمر، ووزارة النقل والخدمات اللوجستية، والجوازات، ووزارة الحج والعمرة، ووزارة الشؤون البلدية، والإعلام، تمّ حشدهم من مختلف مناطق المملكة لخدمة ضيوف الرحمن. ورغم ذلك، تستمر الحياة في كل مدينة وقرية كما كانت قبل موسم الحج، فالأمن والأمان يعم أرجاء الوطن ، والخدمات الصحية، والبلدية على أكمل وجه . فكل الخدمات الإدارية والصحية، واصلت عملها بكامل طاقتها، دون انقطاع أو تأثر.

هذا وطنٌ عظيم، بقيادة عظيمة، وشعب كريم معطاء، يحبّ وطنه ويخلص لقيادته.

لقد ظل صاحبي، طوال أيام الحج، مندهشاً مما يراه من نظافة لا مثيل لها، وتنظيم دقيق للحشود، ومتابعة متواصلة لسكن الحجاج وطعامهم وتنقّلاتهم وعلاجهم المجاني، إضافة إلى دقة المنظومة الأمنية، فكل شيء يسير بانضباط “ساعة مكة” التي لا تقدّم ثانية ولا تؤخّر.

كان يقارن ذلك بما رآه في رحلاته الكثيرة إلى دول العالم، فيقول: لا مجال للمقارنة مع أيّ دولة أخرى، إذ إن أكبر التجمعات في الخارج لا تتجاوز مئتي ألف شخص ولساعات محدودة، ومع ذلك يصعب السيطرة عليها، بينما هنا تُدار حشود الملايين ولعدة أيام ، بكفاءة مبهرة.

يا الله، ما أكرمك … لقد منحت هذا الوطن شرف الحرمين الشريفين، واختَرْتَ له قيادةً يتشرف ملكها بلقب “خادم الحرمين الشريفين” . واخترت لها، قيادة وضعت خدمة الحرمين وضيوف بيتك الحرام على قمة اهتماماتها، وتشريفًا لها. وكنتَ سبحانك كريمًا حين سخّرت لهذا الوطن من الخيرات ما فوق الأرض وما تحتها.فاللهم احفظ هذا الوطن، وبارك لنا في هذه القيادة الحكيمة، والأسرة المالكة الأمينة، وهذا الشعب الواعي العظيم.
ولكم تحياتي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *