عندما يأتي رمضان في الشتاء

محمد البكر

لم تكن تلك الخيمة قادرة على منع تسرب ماء المطر الذي كان يهطل علينا بعد صلاة التراويح . ولم تكن الأرض جاهزة لامتصاص تلك المياه . كنا نتنقل من مكان إلى آخر لم تصله المياه . كان الجو بارداً ، وكانت منقلة كبيرة مليئة بالحطب والفحم تتوسط تلك الخيمة ، علّ حرارتها تدفئ المكان . يوم بعد يوم وشهر بعد شهر وسنة بعد سنة ، تتقلب فيها الأجواء وأحوال الطقس . يأتي رمضان في فصل الشتاء فتتكرر أحوالنا . ثم يشرف الشهر الفضيل في فصل الصيف ، فتتبدل ملابسنا وطقوسنا . لكن ورغم كل تلك التغيرات ومرور السنوات التي تخطت الثلاثة عقود ، أصبحنا وفي كل رمضان ننتظر و” نحنّ ” لتلك الخيمة التي كانت تجمعنا .

كان شامخاً في كل شيء – كرمه وابتسامته وسعة صدره وثقافته – وكنا نراه ” عمود ” تلك الخيمة . ندعو الله أن يقويه كي لا يتركنا . فما قيمة الخيمة حتى لو كانت أركانها قوية وأوتادها مثبتة في الأرض ما دامت بلا عمود قائم يحميها من السقوط .

قبل شهور تآكل ذلك العمود ، أصبحت خيمتنا تترنح ، أوتادها تتفكك ، رواقها تعصف به الريح . ثم فجأة ، سقط ذلك العمود ” من نسل العنبر الأشهب “. فكان سقوطه مدوياً مؤلما . تجمع الناس من كل صوب وحدب . منهم من كان يضرب الأمثال به وبشهامته ، ومنهم من كان يسمع عنه وعن أعمال الخير التي كان يحرص ألا تذاع للناس كي لا يخسر حسناته .

نزور مكان خيمتنا ، نشاهد صورته الشامخة ، نخفي أحزاننا ، نحاول ألا نهجر مكانها . تكاد تلك الصورة لا تفارق أذهاننا . فحتى مع مرور الوقت وتنوع المشاهد والأحداث ، تبقى صورته وسيرته أمامنا ، تحمل ذكريات تلك الأيام التي كنا نتمنى ألا تنتهي .

هذه هي الأقدار .. نعم إنها الأقدار التي نؤمن بها . كل عام وأنتم بخير . ولكم تحياتي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التخطي إلى شريط الأدوات