القرية الشعبية “كنز الشرقية المفقود “

محمد البكر

عندما كنا نسافر للشرق أو الغرب ، كان منظمو البرامج السياحية يحرصون على إدراج المشاريع التي تهتم بتراث بلدهم وإبراز ثقافاتهم وموروثاتهم ضمن برامجهم السياحية . بعض تلك المواقع لا تتعدى مساحتها 500 متر مربع ، ولا تقدم أو تعرض إلا القليل جداً مما يبحث عنه السائح؛ حيث يدفع مقابل ذلك رسوماً تساهم في ديمومة ذلك المشروع الصغير.

يوم أمس تشرفت بحضور حفل تكريم للأستاذ عبدالرحمن المقبل ” أبو الأيتام” وكنت محظوظاً بأن يكون مكان الحفل في القرية الشعبية بالدمام . هذه القرية التي فاجأتني بكل ما فيها من تصاميم ومقتنيات تمثل كل مناطق المملكة وحتى أصغر قراها .

لقد أحسست بعد تجولي في هذه القرية المصغرة بالخجل من نفسي . إذ كيف لي – وأنا من عشاق التراث والتاريخ – أني لم أزر هذا المكان الجميل رغم قرب المسافة . فكل ما كنت أعرفه عنها هو أنها مطعم يقدم أطباق الأكلات الشعبية . بينما هي في الحقيقة كما لو كانت مشروعًا وطنيًا . فمساحتها تتجاوز العشرين ألف متر مربعا ، حرص أصحاب المشروع على توزيعه بدقة متناهية . فهناك ركن لنجد والشمال ، وركن للساحل الشرقي ، وثالث للحجاز ، وركن رابع لعسير . وفيها سوق شعبي يحتوي على 30 دكان لبيع المقتنيات الشعبية ، و100 غرفة تراثية تمثل تراث جميع مناطق المملكة .

لقد حرص القائمون على هذا المشروع الضخم على أدق التفاصيل ، فالسقوف والأبواب الخشبية والنوافذ والمقتنيات كلها أصلية قديمة جداً وليست مقلدة كما نراها في الكثير من المشاريع . لدرجة أنه يمكنك شم رائحة الماضي من لحظة دخولك لتلك الغرف ، ذلك لأن السجاد والمفارش والمساند كلها قديمة قدم تاريخ هذا الوطن الكبير .

أما القسم المخصص للسيارات الكلاسيكية ، فقد كانت المفاجأة أن من بينها سيارة خاصة لمولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان- يحفظه الله ، والتي كان يستخدمها في السبعينيات . ناهيك عن سيارات يعود صنعها في زمن الحرب العالمية الثانية .

هذا مشروع ضخم يدعم السياحة ، ويحافظ على تراث المملكة أبعد من أن يكون مشروعاً تجارياً ، فتكاليف إنشائه ، وجمع مقتنياته الثمينة من كل مكان ، ومصاريف تشغيله ، لا يمكن أن يكون مشروعاً اقتصادياً يرجى منه تحقيق أرباح مادية .

المنطقة الشرقية تعج بالشركات العملاقة والمصانع ذات المشاركات الأجنبية ، وعدد من يزور المنطقة من كبار إدارييها ليس بالقليل . كما أن رؤية المملكة نحو فتح باب السياحة ، وتسهيل الحصول على تأشيرة زيارة المملكة ، يجب أن يصاحبه تنظيم للمهتمين بتسويق البرامج السياحية . ولو تحقق ذلك لما وجدنا طاولة شاغرة في هذه القرية طيلة أيام السنة . ولكم تحياتي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *