الرأي
معرض الكتاب.. ابن البطة السوداء!
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
بعد بداية كل عام ميلادي كنا ننتظر العرس الثقافي الكبير المتمثل في معرض الرياض الدولي للكتاب، حيث كان يأتي في شهر مارس، وقد تغير الآن إلى شهر أكتوبر قبل نهاية العام. ما زلنا ننتظر هذا الحدث الثقافي الذي يرد روح القراءة لجسد الكتاب، ففي كل مرة نقرأ عن عزوف الناس عن القراءة؛ يأتي معرض الكتاب ليفند وجهات النظر هذه، ويقرع آراءنا حول هذه المزاعم التي تطير بها الأخبار ولكن يكذبها زوار وأرقام معارض الكتب.
هناك معارض للكتب في كل عاصمة عربية، وقد تيسرت لي الفرصة أن أزور معرضين وهما القاهرة والدار البيضاء. إلا أن معرض الرياض الدولي للكتاب لا يقارن بأي معرض آخر لسببين، هما: إن عدد دور النشر والكتب المشاركة بمعرض الرياض أكثر من أي معرضا آخر، وكذلك جودة مكان المعرض وما يتضمن ذلك من خدمات مساندة مثل الشحن والمقاهي والمطاعم، وكذلك نظافة المراحيض. وقد زرت أيضا معارض الكتب العالمية مثل لندن وفرانكفورت إلا أنها معارض ليست مثل المعارض العربية التي تركز على عملية بيع الكتاب فقط، فالمعارض العالمية غالبا لا تبيع الكتاب المفرد مباشرة، بل تتخصص بخدمات أخرى مثل عالم الطباعة وبرامج الرقمنة والتعليم، والقراءة الإلكترونية، وصفقات البيع بالجملة، وتبادل حقوق النشر بين الدور العالمية، وكذلك الندوات وورش العمل التي تناقش كل ذلك.
وقد جاء معرض الرياض هذا العام بسلبيات مكررة لا مبرر لها، ولم يتعلم القائمين عليه من تجارب الماضي ولا من اقتراحات وملاحظات الزوار، في حين نشاهد تطور المعارض والمهرجانات الأخرى، باستثناء معرض الكتاب، -وبلا شك- إن جولة واحدة في رحاب مئات الآلاف من الكتب؛ قادرة على محو كل السلبيات، ولكن بمجرد نهايتها ينكشف الغطاء عما يجعلك تحجم عن تكرارها مرة أخرى.
إن طول انتظارنا عامًا بعد عام لهذه الجولة، ورغبتنا الجامحة في اقتناء الكتاب، وحماستنا لتكرار الجولة أكثر من مرة خلال أيام المعرض، كل ذلك يتطلب فضاءً خاليًا من المنغصات، وتنظيمًا أكثر جودة وفعالية، وتوزيعًا أفضل لدور النشر المشاركة يقلل من غموض الخرائط مهما كان جمالها وألوانها، ويقلل كذلك من وقت المشي بين الحشود وذرع المكان جيئة وذهابًا.
ورغم ذلك لاحظت بعض التحسينات الجديدة مثل الشاشات الإلكترونية الحديثة للبحث الذاتي عن الكتب وانتشارها في جوانب المعرض، وكذلك وجود عربات مجانية كثيرة في كل مكان لنقل الكتب، وتوزيع المقاهي على طول المعرض وبالقرب من دور النشر حتى لا يترك البائع الجناح للذهاب بعيدًا أو خارج المعرض.
وهذه بعض الملاحظات التي وجدتها بعد زيارة المعرض، وأتمنى أن تجد طريقها إلى هيئة الأدب والنشر والترجمة المسؤولة عن تنظيم معرض الرياض الدولي للكتاب، وهي كالتالي:
– إرهاق المساحة الطولية وصعوبة المشي ذهابا وعودة، وخاصة لمحبي الكتاب من كبار السن، أو صعوبة التنفس مع ارتداء الكمامة والمشي لمسافات طويلة في مكان مغلق، لذا؛ أعتقد أن المساحة المربعة أو المستطيلة مثل أرض المعارض في مخرج 10 أفضل من المكان الجديد والذي يحتوي على محطة قطار وفندق داخل فناء المعرض وليس خارجه.
– فوضى توزيع دور النشر، بحيث تجد الدار المصرية بجانب المغربية وبجانب البريطانية، والتراثية بجانب الإنجليزية، وهذا يفسد الوقت والمزاج وليس وقتًا جيدًا أو فعالية مناسبة للتعارف بين الأشقاء العرب، ويفضل التوزيع بحسب الدول مع وضع الأعلام بجانب اسم دار النشر، لأنه من المرهق جدا أن تمشي إلى دار من دولة معينة في أول المعرض ثم تمشي إلى دار أخرى من الدولة نفسها في أقصى مكان بالمعرض. فأنا شخصيًا عادة أزور دور النشر المشاركة من دولتين أو ثلاث فقط.
– فوضى توزيع دور النشر للأطفال تجدها في كل مكان، فيضيع الوقت ويكثر التعب، تجد الأم والأب يبحثان ويتنقلان مع أولادهما من أول المعرض إلى آخره، نتمنى أن يكون التوزيع تمامًا مثل المعرض إبان إشراف وزارة الإعلام، تخصيص قسم أو صالة مستقلة خاصة لدور النشر التي تستهدف الأطفال، وتكون بعيدة عن دور الأدب والتراث وجمهورهما. لماذا لا يكون للأطفال صالة خاصة للعب والمسرح والنشر بعيدا عن الدور الأخرى.
– دور النشر باللغة الإنجليزية أو غير العربية موزعة في كل مكان، ويفضل أن تكون في ممر خاص بها، أو صالة.
– الأندية الأدبية والجامعات والوزارات والكليات والهيئات الحكومية المشاركة يفضل أن تكون في قسم أو صالة خاصة.
– غلاء أسعار الكتب، فليس من المعقول أن تكون الكتب أقل ثمنًا خارج المعرض وفي مواقع دور النشر والبيع الإلكترونية. نحن نعرف أن الناشر العربي منشار، لم يتورع عن نهب حقوق المؤلف الفقير حتى يتورع عن حقوق القراء ومن أبسطها الثمن المناسب للكتاب، ناهيك عن قضية المؤلفات السخيفة والسطحية التي لا يتسع المجال لذكرها.
– مواقف السيارات يجب ان تكون قريبة للمعرض، وحافلات النقل الترددي، يجب أن تكون قريبة لبوابة المعرض.
– تقسيم المعرض بالأحرف الإنجليزية ABCD ليس بالشيء الجميل، لأنه يتعارض مع اهتمامنا باللغة العربية وبالحرف العربي، لا سيما أننا نعيش اليوم في عام الخط العربي.
– هناك فعاليات أو جهات مشاركة وهي ليست ذات علاقة إطلاقًا بالكتاب أو النشر، وزادت من حجم مساحة المعرض ومن طول وقت التنقل من دار إلى دار، وبعض الفعاليات تزيد من أعداد الزوار الذين لا يهمهم الكتاب ولا يعرفون شيئا عنه، وحضورهم مجرد تضييق على زوار المعرض المعنيين بالكتاب. يجب أن تكون جميع الفعاليات المصاحبة للمعرض ذات علاقة مباشرة بالكتاب تأليفا ونقدا وطباعة وتوزيعا، أو غير مباشرة مثل الندوات الأدبية والتراثية.
– وأخيرًا؛ كم من مرة بُني معرض الكتاب في مكان مختلف ثم هُدم بكل ما فيه خلال السنوات الماضية، فلو استثمرنا المبلغ في بناء مقر دائم سواء سواء لمعرض الكتاب أو فعاليات أخرى أجدى وأكثر نفعا وحفظا للمال العام.
وبذلك يكون جمهور الكتاب الذي يريد الكتاب فقط، يأتي مباشرة إلى الكتاب دون أن يعيقه ويشتت انتباهه أي شيء آخر من محال لعب الأطفال أو أجنحة حكومية ليس لها علاقة بالكتاب، فقد أصبحت زيارة المعرض مرهقة جسديا ونفسيا.
واقترح فرض رسم تذكرة دخول بقيمة مثلا 25 أو 50 ريال، ويمكن استبدالها وخصمها مع أول عملية شراء للكتب، فلا أتذكر أحدا من جمهور الكتاب خرج من المعرض ودفع أقل من ذلك، لأنه هناك زوار ليس لهم علاقة بالكتاب ولا بصناعته، مجرد زيادة عدد وتضييق على الجمهور الحقيقي للكتاب، فهم من جمهور الفعاليات الغث أيا كان هدف الفعالية: أسلحة ودبابات، أو حيوانات وعيادات بيطرية، أو قهوة وحلويات، أو حتى زراعة الطحالب.
هذه مجرد ملحوظات شخصية عابرة، لا تقلل أبدًا وبأي حال من الأحوال من أهمية وجمال هذا العرس الثقافي ومن جهود القائمين عليه، لهم منّا كل الشكر والتقدير، بشرط أن يتعلمون من التجارب السابقة.
……
ملاحظة (نشر هذا المقال عام 2021م).
