خربشة ومغزى

“النخلة .. عروس الصحراء والحقول”

النخلة هي عروس الصحراء والحقول عند محبيها. وهي شجرة مثمرة، كل ما فيها نافع للأرض والإنسان. ولا غرو أن تُوصف بأنها صديقة البيئة. وعلاقة الإنسان مع النخلة سرمدية بعمق التاريخ، ولهذا هي تشابهه بالمقاربة والصفات.

النخلة
عرفها البابليون ما قبل أربعة آلاف سنة قبل الميلاد، والنخلة كذلك لها مكانة عند السومريين والآشوريين، والرسم المسماري ونقوشه السومرية الاثرية ذكرت ورسمت النخلة.

الآشوريون
لهم شعارات تقديس المحراث والثور والنخلة، وهذا تم اكتشافه على أعلى محراب يعود لعصر الملك آسرحدون (680-669) ق.م

حمورابي
في شريعتة التي حملتها المسلّة، تم فيها ذكر أكثر من قانون يخص النخلة مثلا المادة التاسعة والخمسين تنص على تغريم من يقطع نخلة واحدة بنصف ” مَنّ ” من الفضة وألمَنّ هو وحدة وزن مقدارها 64 كغم.

اليونانيون
وصفوا كما نُقل عن هيرودوتس، المؤرخ اليوناني الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد، أن الديار التي فيها نخيل أنها أرض البلح اي التمر، والتسمية هذه شملت شاطئ البلح والنَّاس الذين سكنوا شاطئ البلح جاءوا من بلاد البلح، أي من شواطئ البحر الأحمر. والمقصود بالبلح التمر وهي ترجمة معنى كلمة فاينيكا اليونانية. لفظ فاينيكا اليوناني أُطلق على الكنعانيين القادمين من الجزيرة ليصبح الاسم الفنيقيين.

قديما
العرب عرفوا النخيل وزرعه، وكان التمر الزاد الذي يصاحبهم في القوافل عبر الفيافي والأمصار، وحتى سواد التمر كان وصفا غلب مسمى الماء ليُقال عن التمر والماء الأسودين.
الأمم السابقة اعتمدت التمر في الوصفات الطبية كماء التمر مع ماء الورد والحليب للمعدة وعسر البول، ومسحوق نوى التمر مع الشحم للرضوض والأورام.

زراعة النخيل
انتشرت في بلاد الرافدين والجزيرة العربية ووادي النيل وبعض مناطق الشام والشمال الأفريقي.

النخلة والإنسان
يتشابهان فالنخلة لها جذع منتصب وذكر وأنثى واللقاح ينتج الثمر، وإذا مات الرأس أو تعرض قلبها لآفة فيها هلكت كالإنسان. وسعفها إذا قُطع لا تستطيع تعويضه من محله كحال الإنسان لا يعوض مفاصله الأصلية، والنخلة يكسوها ليف شبيه مجازا شعر الإنسان.

بعض النخيل
يُوحدب كبعض البشر إذا هِرم، والنخلة الأم حولها فسائل تنبت معها وحولها كحال الأم مع أطفالها. ومن عرف شتول صغار النخل الملتصقة بأمها وهي تتغذى منها، يتذكر الرُّضع من الأطفال. والفسائل تفصل بوضع صفيحة أو وعاء مناسب حذو الفسيلة فيها طين ويسقى حتى تنشأ جذور لها التي توفر غذائه. مثل الفطام الذي بعده يتغذى الطفل بنفسه.

الأشعار
توافرت في وصف النخلة ومكانتها، وأمير الشعراء أحمد شوقي له قصيدة جميلة في ذلك حيث يقول:
أرى شجراً في السماء احتجب
وشق العنان بمرأىً عجب
مآذن قامت هنا أو هناك
ظواهرها درج من شذب
وليس يؤذن فيها الرجال
ولكن تصيح عليها الغرب
وباسقة من بنات الرمال
نمت وربت في ظلال الكثب
كسارية الفلك أو كالمسلة
أو كالفنار وراء العبب
تطول وتقصر خلف الكثيب
إذا الريح جاء به أو ذهب
قد اعتصبت بفصوص العقيق
مفصلة بشذور الذهب
وناطت قلائد مرجانها
على الصدر واتشحت بالقصب
وشدت على ساقها مئزرا
تعقد من رأسها للذنب
أهذا هو النخل ملك الرياض
أمير الحقول عروس العزب
طعام الفقير وحلوى الغني
وزاد المسافر والمغترب
فيا نخلة الرمل لم تبخلي
ولا قصرت نخلات الترب
وأعجب كيف طوى ذكركن
ولم يحتفل شعراء العرب
وأنتن في الهاجرات الظلال
كأن أعاليكن العزب
وأنتن في عرصات القصور
حسان الدمى الزائنات الرحب
جناكن كالكرم شتى المذاق
وكالشهد في كل لون يُحب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *