درس سعودي لأوروبا ولمنظمات حقوق الإنسان

ماذا تحتاج الدول لاستعادة رعاياها من تنظيمات الإرهاب؟ ليس سوى المسؤولية الوطنية والإنسانية تجاههم. وهذا ما دأبت السعودية على فعله، وتجدد قبل أيام، باستعادة ابنين من أبناء إرهابي أخذهما خدعة إلى «داعش» في سورية، وفجّر نفسه، وتركهما بلا أدنى مسؤولية.

لكن ماذا فعلت الدول الأوروبية؟

لا شيء، أدارت ظهرها لمواطنيها ضحايا الإرهاب، من زوجات وأبناء إرهابيين، وكذلك لفتيات ضللن الطريق في سن المراهقة.

وماذا عن منظمات حقوق الإنسان؟

مثل كل مرة، التزمت الصمت التام في الحالتين، لم تُدن سلوك الحكومات الأوروبية المنتخبة، ولم تشجع وتحيي الخطوة السعودية المسؤولة.

والآن، نجد أن الخطوة السعودية الشجاعة تعيد فتح ملف طوته أوروبا سريعاً، إذ لم يمضِ سوى شهرين على اشتعال قصة الفتاة البريطانية في داعش. وزير الداخلية، المسلم من أصول باكستانية، رفض عودتها ورضيعها، بل وقرر سحب جنسيتها، وإعادتها إلى موطنها الأصلي بنغلاديش. تحرك الملف قليلاً، وقابلته منظمات حقوق الإنسان باستحياء مخجل، ومات الطفل الرضيع، وطويت القصة فوراً، ونسيت الحكومات الأوروبية رعاياها، وانشغلت المنظمات بملفات منطقتنا.

ولعل القارئ يتخيل موقف منظمات حقوق الإنسان لو كانت الحادثة سعودية أو مصرية مثلاً، ستتوالى البيانات، وتتفاعل الصحف الأجنبية، وتصدر وزارات الخارجية تعليقاتها المرتبة ضمن مؤتمرات صحافية، والأكثر وقاحة منهم توجيه دروس لكيفية التعامل مع المواطنين الضالين في بؤر التوتر. كل ذلك كان سيجري حتماً، فقد عشناه طوال السنوات الماضية. وما الحال اليوم إلا عرضاً صريحاً لازدواجية تعيشها منظمات حقوق الإنسان، إذ هي تغض الطرف في بلدانها، وتوجه السهام المتوالية لدول المنطقة، وتتجاهل الخطوات المسؤولة لحماية المتضررين من الإرهاب.

واجهت السعودية بكل صراحة قضية المتورطين بالإرهاب، لم تقف متفرجة وهي تراهم وقوداً في محرقة الحروب، وفتحت أمامهم باب التوبة، وسعت إلى استعادتهم بالسبل كافة، والأهم منهم ذووهم، إذ هم ضحايا من نساء وأطفال لا حول لهم ولا قوة، وجدوا أنفسهم في بيئة غير بيئتهم، ورجو العودة السريعة، ونجحت الأجهزة الأمنية بإعادة الكثيرين منهم عبر عمليات شجاعة وفائقة السرية، ولم يفصح عن تفاصيلها إلى اليوم.

الحالة الإنسانية المأسوية تزداد تفاقماً في سورية والعراق، ولا يجب أن يهمل ملف النساء والأطفال المحتجزين هناك. على دول المنطقة تحريكه سريعاً، ودق الأجراس وسط أوروبا؛ لأن حكوماتها واقعة في حيرة غريبة تجاه أبسط ملف إنساني، وتبحث خيارات سيئة جداً بعيدة عن أراضيها، بعضها يبحث قرار استعادة الأطفال ما دون التاسعة، وترك أمهاتهم في السجون الموقتة في سورية والعراق، وبعضها أسوأ يرفض حتى عودة الأطفال. لقد أمنوا سوء التصرف والقسوة؛ لغياب المساءلة. هؤلاء أوروبيون، يتمتعون بحقوق المواطنة، ولهم واجبات، وعلى حكوماتهم تحمّل المسؤولية؛ لأن المستقبل يشي بنيتها إلقاء الحمل على دول المنطقة.

فارس بن حزام

نقلاً عن (الحياة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *