«مجلس التعاون» من منظور اقتصادي

حديث مجالسنا هذه الأيام النجاح الكبير الذي حققه اجتماع المجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في دورته الـ40 برئاسة حكيمة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وبحضور قادة الخليج، الذين يدركون حجم التحديات التي تواجهها دول تلك المنظومة الصامدة منذ أربعة عقود. والمراقب لمسيرة ذلك المجلس، يرى أن انطلاقته كانت قوية، وأصبح مضرب المثل عالميا عند الحديث عن التجمعات السياسية والاقتصادية الناجحة التي تقدم رؤية واضحة حول القضايا المختلفة في المحافل الدولية، لكن مسيرته واجهت بعض العقبات حتى انتهت إلى الأزمة المعروفة الآن، التي هناك بوادر لإيجاد الحلول لها. ولعل ما تتطلع إليه شعوب المنطقة، هو التركيز على الجانب الاقتصادي الذي تقل فيه الاختلافات في وجهات النظر. ولن يشعر المواطن الخليجي بالرضا وهو يحمل عملات مختلفة حين يسافر بين دول المجلس، رغم الحديث أكثر من مرة عن العملة الموحدة وإنشاء المجلس النقدي الخليجي ووضع لوحته على مقر جميل في قلب مدينة الرياض دولة المقر. إضافة إلى توحيد العملة، هناك سكة الحديد لنقل المسافرين والبضائع بين دول المجلس، وكذلك الاتحاد الجمركي، وغيرها من الخطوات المهمة التي تضمنها تقرير هيئة الشؤون الاقتصادية والتنموية.

وقد وضعت خريطة طريق لاستكمال الدراسات والمشاريع المتعلقة بتحقيق الوحدة الاقتصادية بحلول عام 2025، وهو موعد قريب نأمل أن تلتزم به لجان وأجهزة التنفيذ في الأمانة العامة للمجلس للوصول إلى الاستدامة الاقتصادية ورفع ترتيب دول المجلس في مؤشرات التنافسية العالمية. ومن القرارات الاقتصادية المهمة التي اتخذها المجلس الأعلى في هذه الدورة، الموافقة على قيام لجنة التعاون المالي والاقتصادي باعتماد وتنفيذ القرارات اللازمة لمتطلبات العمل المشترك في إطار الاتحاد الجمركي وضريبة القيمة المضافة والسوق الخليجية المشتركة واعتماد النظام الموحد لملاك العقار، ولعل من عوامل التفاؤل لنجاح الدور الاقتصادي المهم لمجلس التعاون في المرحلة المقبلة أن تتخذ التجربة السعودية الناجحة نموذجا لجميع دول المجلس. حيث حققت هذه الدولة الرائدة خطوات مهمة، في مقدمتها فوزها بعضوية مجموعة العشرين التي تعد أكبر وأهم مجموعة اقتصادية عالمية، وكذلك تحقيق قفزات في سلم التنافسية الدولية في مختلف المجالات، وتنمية سوق المال السعودية لتصبح من أكبر عشر أسواق مالية عالمية بعد إدراج شركة أرامكو فيها، وهي تعد أكبر شركة عالمية مدرجة في أسواق المال.

وأخيرا، لأول مرة يتم اختيار شخصية اقتصادية بارزة لقيادة الأمانة العامة لمجلس التعاون، وهو الدكتور نايف الحجرف، الاقتصادي المخضرم الذي تولى عدة مناصب اقتصادية مهمة، وعمل في منظومات مختلفة للعمل العربي المشترك وفي بلدان الخليج العربي بالذات، إضافة إلى تولي رئاسة أسواق المال ووزارة المالية في دولة الكويت، التي تعد من أهم دول المجلس اقتصاديا. ويلاحظ أن من تولوا الأمانة العامة من عبدالله بشارة إلى عبداللطيف الزياني “مع حفظ الألقاب”، لم يكونوا اقتصاديين، إنما بارزون في مجالات تخصصاتهم التي أقرب ما تكون إلى المجالات السياسية.

 

علي الشدي

نقلا عن “الاقتصادية”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *