الرقابة في معرض الكتاب

يبدأ اليوم معرض الكتاب السنوي بالرياض، لا أعرف ما هو تقييم معرض الكتاب أمام معارض الكتب في العالم العربي، لم تتوفر آليات قياس لذلك، ولكن على كل حال معرض الكتاب بالرياض ربما يكون الأجدر بالتعظيم، أشبهه بسفينة شقت طريقها وسط العواصف والأمواج والظلامات حتى لاحت أخيراً بيارق جزيرة النصر المنتظرة. لعله المعرض الوحيد في العالم الذي واجهته حرب عاصفة، المعرض الوحيد الذي أكد للتاريخ أن الوعي لا يمكن إيقاف تدفقه.

بدأ المعرض برعاية جامعة الملك سعود، ثم انتقلت إدارته إلى وزارة الثقافة والإعلام، واليوم سيقام برعاية وزارة الثقافة بعد أن أصبحت وزارة مستقلة، ساهمت جامعة الملك سعود ووزارة الإعلام في تأسيسه وتطويره وحمايته من تسونامي الظلمة حتى أصبح حقيقة من حقائق الثقافة الوطنية الصلبة، لهما جزيل الشكر والامتنان.

من يقرأ الفعاليات التي ستقام على هامشه في نسخته هذا العام سيرى أن وزارة الثقافة قررت أن تؤسس تاريخاً جديداً للمعرض، لم يعد معرضاً للكتاب، بل تسونامي ثقافياً يطال كل نواحي الوعي الإنساني.

السؤال الذي ينتقل معنا سنة بعد أخرى، وجيلاً بعد آخر، كيف هي الرقابة على الكتب هذا العام وكل عام؟ معيار التقدم في المعرض يقاس في نظري بما يحققه معرض الكتاب في مسألة الرقابة حتى تزول نهائياً.

أتوقع أن تنتقل مهمة مراقبة الكتب من وزارة الإعلام إلى وزارة الثقافة. ستكون أصعب المهام التي تسند للوزارة، ستواجه الوزارة الوليدة أكبر تحدٍ يمكن أن تواجهه، فهذه المهمة تتناقض مع دور الوزارة، وظيفة الوزارة نشر الثقافة لا التعتيم، الانحياز للحرية، من الصعب التنبّؤ بما يمكن أن تفعله الوزارة مع هذه الواجب الثقيل، أتوقع أن تتجاوز الوزارة الخطوط الحمراء التي اعتدنا عليها دون بحث أو تبصر، الخطوط الحمراء الوهمية التي كنا نظنها تارة من الدين وأخرى من التقاليد وثالثة من السياسة، لكي نتفادى استمرار الخطوط الحمراء الوهمية أتوقع أن وزارة الثقافية لا تنقل معها قسم مراقبة الكتب في وزارة الإعلام، ولا حتى موظفاً واحداً من ذلك القسم، أن تتجنب القاعدة الذي قامت عليها الرقابة (كل كتاب متهم بالكفر والزندقة والفحش حتى يتم فحصه).

الوزارة جديدة والعاملون فيها شباب بما فيهم وزيرها، يتوجب أن تنحاز إلى العصر الذي يعيشه الشباب والعصر الذي سيعيشه الجيل القادم. ما سيزرعه الوزير الشاب وفريقه اليوم سيتحول إلى مفاهيم ومبادئ للمستقبل، ما نعاني منه الآن من صعوبة في الرقابة هو ثمرة ما زرعته الأجيال السابقة.

في الأخير سوف أعيد اقتراحي البسيط مرة أخرى، عدم نقل أو توظيف أي موظف سبق له أن عمل في الرقابة إلى وزارة الثقافة، النظر إلى الحرية بأدوات وقيم عصرنا الذي نعيش فيه.

عبدالله بن بخيت

نقلاً عن (الرياض)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *