حين تصنع الندرة أسطورة

سجى آل رحمه

لو سألك أحدهم: ما هي أشهر لوحة في العالم؟ غالباً ستتبادر إلى ذهنك فوراً تلك الابتسامة الغامضة وتلك النظرات الثاقبة… إنها بلا شك لوحة الموناليزا.

قبل أيام كنت أشاهد تقريراً مصوراً عن متحف اللوفر في باريس، ولفت نظري مشهد الازدحام الكبير أمام تلك اللوحة الصغيرة.

مئات السياح يتدافعون لالتقاط صورة سريعة معها،عندها تساءلت: لماذا هذا الاتفاق الجمعي على لوحة الموناليزا بالذات؟ لماذا نعرف جميعاً اسمها من بين آلاف الأعمال الفنية الأخرى؟ وكيف تحولت من مجرد لوحة إلى أيقونة ثقافية يعرفها تقريباً كل إنسان على وجه الأرض؟

الحقيقة أن الموناليزا لم تولد بأسطورة جاهزة، بل اكتسبتها من قصة صنعت منها ما هي عليه اليوم، لقد ظلت لسنوات في اللوفر كعمل جميل ومهم للرسام ليوناردو دافنشي، يحظى بالتقدير الفني، حتى جاء صباح 21 أغسطس 1911، حين سرقت اللوحة من المتحف، وغابت لعامين كاملين.

هذا الغياب غيّر كل شيء، فجأة تحولت اللوحة إلى محور اهتمام عالمي: تساؤلات، عناوين صحفية، تكهنات لا تنتهي، لماذا سُرقت هي تحديداً؟ وأين اختفت؟ وعندما عادت إلى مكانها بعد عامين، لم تعد كما كانت… لقد عادت محاطة بهالة من الندرة، وأصبحت مقصداً لملايين السياح ورمزاً للفن التشكيلي، وصارت تُذكر دائماً كأشهر لوحة في التاريخ.

أتصور بأن غياب الموناليزا وعودتها هو تجسيد واضح لمفهوم الندرة، لكنه لم يكن وحده السبب، بل القصة التي التفت حولها، فالإنسان بطبعه ينجذب للأشياء النادرة، ويزداد تعلقه بما يختفي عن متناوله، لكن ما يمنح هذه الندرة قوة مضاعفة هو القصة التي تُروى خلفها.

الأشياء لا تبقى في ذاكرتنا بندرتها فقط، بل بما تحمله من حكايات، فالقصة تضفي على الشيء بعداً إنسانياً، تقرّبه من النفس، وتجعله حاضراً في المخيلة أكثر من حضوره في الواقع، تماماً كما صنعت الموناليزا: لوحة صغيرة تحولت بالندرة والقصة إلى أسطورة خالدة، ورمز حي في أذهان الناس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التخطي إلى شريط الأدوات