“الشورى” ومشروع الوحدة الوطنية

في خطوة أخذتنا جميعاً إلى دهشة شاملة عارمة، أسقط مجلس الشورى الموقر، وعبر التصويت تحت القبة مشروع الدراسة المنتظرة عن “الوحدة الوطنية” التي كان لها لو أنها رأت النور أن تؤسس “لفرمان” مجتمعي يشعر فيه المواطن بخط وخيط المسطرة التي يأخذ بها حقوقه ويؤدي بموجبها واجباته. ويؤسفني أن أقول بوضوح ومكاشفة إن المجلس تعامل مع قراره البارد تجاه رفض هذه الدراسة مثلما يتعامل مع رفض دراسات أخرى مثل تعيين مواسم الاحتطاب أو مكافآت مزارعي الأعلاف والشعير. لم يظهر إلى المجتمع والجمهور متحدث باسم المجلس ليشرح دوافع وخلفيات رفض الدراسة الأهم والأخطر في تاريخ بناء لحمتنا الوطنية ووسائل صيانة وحدتها.

وخذ من المفارقة التي تدعو للدهشة أن مشروعا بالغ الأهمية مثل دراسة “الوحدة الوطنية” قد استغرق من النقاش بين أعضاء مجلسنا الموقر ست سنوات كاملة، وهذا وقت كان كافيا جداً جداً لأن لا يترك هذا المجلس، وكل “الأنتلجنسيا” النخبوبة في ردهاته ثغرة واحدة في هذا المشروع ولو بمنفذ “عوار” من نصف جملة. ومع هذه الخطيئة الفادحة في السكوت الرسمي عن تبرير رفض الدراسة، ترك المجلس لأعضائه الكرام حرية الحديث في الإجابة على السؤال الوحيد: لماذا رفض مجلس الشورى ثم صوت ضد مشروع “الوحدة الوطنية”.

هنا بعض نماذج الإجابة ومن ألسنة بعض الأعضاء. أحدهم يقول: “لقد صوَّتُّ شخصياً ضد الدراسة لأنها تساوي حقوق الأقلية مع حقوق الأغلبية”. هذه جملة فضائحية قد أستسيغ سماعها من زبون يحادثني في طابور على كاونتر مصرف بنكي أو بقالة، ولكنها كبرى الكبائر الدنيوية حين يقولها عضو نخبوي وصل إلى قبة مجلس يفترض فيه أن يكون صوتا للمساواة والعدالة الاجتماعية. ثانيهم يقول في رفضه لهذه الدراسة الخطيرة: (لقد صوت ضد دراسة “الوحدة الوطنية” لأننا لو طبقنا بنودها لطالت العقوبات مئات الكتاب والمفكرين والدعاة الذين ينتهكون بأقلامهم وألسنتهم بنود ومفردات هذه الدراسة). ومثل هذا العضو الموقر يحتاج بالضبط إلى دورة مكثفة كي يكتشف أن تطبيق القانون ضد كل منتهك لقواعد وآداب “الوحدة الوطنية” سيؤدي إلى النتيجة العكس لأن عقاب أول خمسة أو عشرة من مخالفي القانون سيردع المئات بل الآلاف من المصطفين في طابور الإقصاء والتصنيف، حين يكتشفون أن “الخمسة” الأول في رأس الطابور قد سقطوا في الحفرة وفي “مرتام” القانون الصارم.

والخلاصة المخجلة أن كل دستور تبنيه الأمم يبدأ بقوانين الحقوق والواجبات في مفاهيم “الوحدة الوطنية”، ولم أسمع بشعب على مدار التاريخ احتاج لأكثر من عام ليبني دستوره. هنا، وهنا فقط، احتجنا لست سنوات من أجل بناء دراسة جانبية عن الوحدة الوطنية تحت قبة ذروة النخبة من الأنتلجنسيا الوطنية، ومع هذا سقط جهد ست سنوات في لحظة تصريح لم تستغرق سوى بضع دقائق.

علي سعد الموسى

نقلا عن “الوطن”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *