بدرية البشر.. عالم يتحول في حلقات مختلفة
حجم الخط |
- A+
- A
- A-
بيروت ـ رويترز:
في رواية “غراميات شارع الأعشى” للكاتبة السعودية بدرية البشر رصد للتحول الاجتماعي خلال فترة من الزمن في هذا العالم الذي تركز الكاتبة عليه. وهذا التحول تمثله مجموعة من النساء وينعكس في تطور حياتهن وحياة أولادهن وبناتهن.
وتتغير حياة الناس في المدينة وفي البلاد كلها الى حد كبير بعد اشتداد الاتجاه السلفي في البلاد وفرض قواعد صارمة على التصرف والتفكير.
العمل الأخير لبدرية البشر الروائية وكاتبة القصة القصيرة والإعلامية جاء في 287 صفحة متوسطة القطع وبلوحة غلاف للفنانة لميس الحموي وصدر عن “دار الساقي” في بيروت.
التطور الذي تسجله الرواية يتجسد في أنواع مختلفة من الناس يشكل مجموعهم سكان هذا العالم الذي تصوره الكاتبة. فمن هؤلاء الناس “غرباء” عن المدينة استوطنوها وتغيرت حياتهم بمجرد الانتقال اليها واكتساب أنماط حياتها ثم واكب ذلك تغير عادات المدينة نفسها على مر الايام.
وهذا التحول طاول أهل المدينة الأصليين أنفسهم أيضا بل كان هؤلاء هم رواد تبني أنماط العيش الجديدة التي حملها الزمن الى عالمهم.
وبدرية البشر تكتب بدفء وهدوء واسترسال وقدرة تصويرية حية فتحول حركة الحياة في هذا العالم الصغير نسبيا الى عالم خلاب على الرغم من كل ما فيه من صعوبات ومشكلات.
ترى هل السبب هو ان الفن “يجمّل” الواقع أحيانا ولو كان سيئا أم ان الفنان الناجح يستطيع ان ان يقتنص صورا جميلة من عالم كهذا العالم وهو في كل حال لا يخلو من كثير من الدفء على الرغم من برودة وآلية كثير من علاقاته الاجتماعية.
الكاتبة تصور التغير الطارىء في “حلقات” مختلفة فنشهد ما يحدث من جديد داخل كل حلقة من هذا الحلقات وهو ليس منعزلا عما يجري في الحلقات الأخرى وان سبق بعضها البعض الآخر الى تبني الجديد الوافد.
قد يجد القارىء ان هذه الرواية تحمل سمات تميزت بها الكاتبة في بعض أعمالها السابقة وان جاءت هنا أكثر تطورا ونموا ونضجا. ففي رواية سابقة لها هي “هند والعسكر” نجد قدرة على العمل “الفسيفسائي الاجتماعي” ليشكل مجموع التفاصيل الصورة العامة الكبيرة. الا ان فسيفساء بدرية البشر الاجتماعية لا تكتفي بالتجاور بل تتداخل في أشكال مختلفة.
في كلام الناشر الذي حمله غلاف الكتاب ما يختصر كثيرا من سمات وأحداث هذه الرواية. وجاء في النص “ثلاث بطلات يفتشن عن حريتهن. عزيزة التي تفتش عنها في الحب فتقلد سعاد حسني سندريلا الشاشة العربية وتقع في حب الطبيب الغريب لانه يتحدث اللهجة المصرية كما في أفلام الأسود والأبيض وتفكر في ان تهرب معه الى مصر… وتغير قدرها.
“وضحى البدوية التي تهرب من فقرها الى العمل في سوق الحريم فتصبح أكبر تاجرة فيه. ثم عطوى التي تهرب فعلا من قريتها الصغيرة لتصبح فتاة أخرى تولد من جديد في حياة الرياض.
“وفي حارة شعبية بشارع الأعشى حيث مات الشاعر الجاهلي الشهير تبدأ أحداث هذه الرواية مع أفلام الأسود والأبيض المصرية ومع قصص الحب فوق السطوح لكن تحولا جديدا بدأ بعد دخول التلفزيون الملون…”
كانت اشارات الحب وعلاقاته تجري عبر سطوح المنازل ومعظم اللقاءات تجري على موارد المياه. تغيرت الأمور فصارت الاتصالات تجري بطريقة “حديثة.”
تقول الكاتبة في هذا المجال “لم يعد هناك سطح فصار هنا هاتف أمسى بديلا عن السطح وفضاء مجازا. صار مورد الماء الذي تجتمع عنده الحكايات والأسرار. بدون هذه الأسرار تصبح أيام البنات كئيبة وخاملة حتى ان بعضهن ينسجن حكايات كاذبة ليكسبن بها صداقات جديدة…
“مساء الاربعاء يتسكع الشباب في شوارع المدينة بينما تتسكع الفتيات بالهواتف المفتوحة… مساء الاربعاء تتنكر الفتيات باسماء مستعارة ويجلن في شوارع المدينة الممنوعة على الفتيات عبر الحديث مع شبانها الذين يجولون فيها… فيضحكن ويفصحن عن أنوثة ظلت حبيسة العباءات والادراج والتقاليد يفتشن في مللهن عن حكايات يتشاركن الحديث عنها في الصباح…”
عزيزة واختها عواطف تمثلان اهل المدينة الاصليين ومن خلالهما واخريات واخرين نتعرف على حياة المدينة وتفكير أهلها وتصرفاتهم نتعرف الى العلاقات العائلية في عالم ذكوري لا مكانة مهمة للمرأة فيه سواء أكانت فتاة شابة أم امراة كبيرة ناضجة و”ربة” عائلة.
عزيزة مغرمة بالطبيب المصري أحمد وبينهما قصة حب شبه عذري فهو لم يفعل أكثر من انه قبل يديها. تزوجت رجلا أكبر منها كي تحصل على جواز سفر فتسافر معه الى مصر فتطلق زوجها ويتزوجان لكنه رفضها لأنها زوجة رجل آخر فطلقت زوجها وعادت الى بيت والدها.
أختها عواطف كانت تحب “سعد” لكن أهلها رفضوه فتزوجت من أحد أقاربها وعاشت في مدينة أخرى. اما ضحى وهي أجمل بنات الحي فقد تزوجت سعدا الذي تغير منذ ان أصبح متدينا متشددا وواحدا من “جماعة المسجد” المتطرفة. عاشت حياتها الرتيبة في بيت زوجها تغسل وتطبخ وتلد وتزور الجارات الى ان منعها من الزيارات.
“حين تقترب منه تفتش عن حنان أو حب ينهرها فتخجل من كشف أشواقها أمامه وحين يقترب منها تضحك ضحكتها الهشة وتعود الى حدودها الباردة.”
صار يغيب أياما وليالي عديدة وكان دائم العبوس والتجهم ويتوتر حين تبادره امرأة بالحديث. صار ينتظر ظهور المهدي المنتظر.
سمع جماعة المسجد يتحدثون عن الفتن المنتشرة في الأحياء القريبة منهم الشباب الذين يدخنون ويستمعون للهو ويلعبون بكرة القدم ويمارسون لعب الورق “والحكومة التي سمحت للكفار بدخول جزيرة العرب وسمحت ببيع الموسيقى والتصوير.”
عاد مرة الى بيته فوجد الراديو مفتوحا فحطمه. قررت الجماعة مهاجمة محلات بيع الاشرطة والآلات الموسيقية واشترك هو في الهجوم.” شعرت ضحى بان سعدا قد ازداد غرابة ومضى في طريق لم يعد بالامكان اعادته. “لا يشبه هذا النائم في فراشه اخوتها ولا رجال الحارة. تزوجته شابا دون العشرين لكنه مشغول بمعارك لا تعرف مع من ؟ على الدوام غاضب ومتجهم…” وقد قتل لاحقا في عملية احتلال المتطرفين للمسجد الحرام في مكة والتي قتل فيها 127 جنديا و117 من المتمردين.
مزنة ابنة ضحى التي تزوجت رياض الفلسطيني وقامت عليها قيامة اهلها خاصة اخيها ضاري “تغيرت بعد زواجها… لم تعد تشبه نساء سوق النساء القديم صارت تلبس ثيابا حضرية وقصت ضفائرها… لبست مزنة ثيابا قصيرة وتورد وجهها من خلال شعرها القصير الذي قصته حين سافرت في الصيف مع اهل زوجها الى بيروت…”
انتقلت عائلة عزيزة الى مبنى جديد فخم شيده ابوها في حي راق. تعبر الكاتبة عن التغير الذي طرأ على حياة الناس بقول عزيزة “تباعدت المسافات بين بيوتنا. صارت الشوارع اسفلتية وما عدنا نمشي على ارجلنا الا نادرا.. حينا الجديد أغنى من حي شارع الاعشى وانظف لكنه فقير من الناس. غابت عنه صيحات الاطفال وفقدت قدرتي على الخروج وحدي امشي الى البيت المجاور.
“شيء ما تغير في بيتنا وفي بيت ضحى وكل البيوت…اختفي صوت القاهرة وصوت لندن وحلت محلهما اذاعتنا المحلية التي ترسل منوعات محلية دون موسيقى ودون صوت امراة..اختفت صور النساء من الصحف .