من قريتي إلى قرية لندن الأميركية

على أطراف ولاية أميركية شمالية، باردة مثلجة لتسعة أشهر في العالم الواحد، قرر بضعة مهاجرين من الإنجليز نهاية القرن الثامن عشر بناء قرية أسموها “لندن”، ثم قرروا أن تكون هذه القرية نسخة من تقاليد “لندن” الأم في الأعراف والتقاليد وحتى في القوانين، وحين شاهدت ما قبل البارحة ذلك الفيلم الوثائقي عن هذه القرية شعرت بالألم والحزن لفارق العقل وفارق الوعي ما بين قرية “لندن” الأميركية وبين آلاف قرى بني يعرب على الكون ذاته والخريطة.

في القرية الأميركية “لندن” اكتمل حتى اليوم بناء 450 منزلاً ثم قرر سكان القرية المتوسطة الحجم بناء مبنى للبرلمان على شكل بسيط لمبنى “ويست منستر” اللندني الأصل، وبعدها تم اختيار نائب واحد لتمثيل كل عشرين أسرة من سكان القرية. في هذه القرية، وكما يقول الفيلم الوثائقي تم حظر اقتناء أي قطعة سلاح حتى ولو كان هذا عكس القوانين الأميركية، وفي هذه القرية أيضاً تم بناء ما سموهnew hyde” park” أو هايد بارك الحديثة بمساحة على السفوح والسهول في طرف القرية التي تفوق بالضعف المكتمل مساحة حديقة “هايد بارك” اللندنية، تعالوا لما هو أهم وأكبر في الفارق بين العقل ومساحة الوعي: يقول الفيلم الوثائقي إن هذه القرية النموذجية لم تشهد في كل تاريخها ومنذ 220 سنة حالة قتل واحدة مثلما لم تشهد خلال 43 شهرا متصلة حالة مخالفة مرورية، مثلما لم تشهد مدارسها “السبع” حالة إغلاق ولو ليوم واحد خلال آخر ثلاث سنوات رغم الطقس الشتوي المثلج خلال معظم أيام السنة.

لماذا أكتب كل ما سبق عن قصة أميركية لحكاية قرية؟ والجواب لأنني أشعر بالحزن والأسى لأن قريتي الخاصة حيث مسقط رأسي تبعد ألف سنة ضوئية عن الفكرة الإنسانية الحديثة التي بنيت على قيمها هذه القرية الأميركية، في قريتي شبه الحدودية على مشارف الحد الجنوبي تنام آخر خمس أسر بقيت مناضلة في هذه القرية على التهديد الفارغ لخطب عبدالملك الحوثي الإنشائية في قريتي الأصل، ومسقط رأسي، لا حديث أبدا عن المتحف والحديقة والمدرسة ولا حوار أبدا عن الطقس والثلج، بل آلاف الليالي عن نشرات أخبار الدواعش والقاعدة وميليشيا بدر الدين الحوثي وخطب حسن نصرالله النارية المثلجة، في قريتي ومسقط رأسي لا زال هناك “سبعة” أطفال فقط يسهرون إلى ما بعد منتصف الليل وهم ينتظرون “موجة غبار” خفيفة حتى يتم تعليق الدارسة، بينما يقول الفيلم الوثائقي ذاته أن أطفال قرية “لندن” الأميركية يصرون على الذهاب إلى فصولهم الدراسية وسط ثلوج ترتفع بالضعف فوق قامة الطفل ومقدار طوله.

باختصار نهائي: أنا أغبط كل طفل بكل هذا العالم لا يعيش تحت خطر الحوثي ونصر الله وبن لادن وخليفته الظواهري: كل طفل لا يعرف أدبيات الدواعش وجبهة النصرة.

علي سعد الموسى

نقلا عن “الوطن”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *