المراكز الصحية يا معالي الوزير

زرت المركز الصحي في الحي الذي أقطنه، وللأمانة فقد فوجئت بما رأيت إيجابا وسلبا.

فوجئت أن فيه ثمانية أطباء، البعض منهم في عيادات تخصصية مثل الأسنان والباطنية والنساء والولادة، وصيدلية وعدد من الممرضات والعاملين والعاملات والموظفين والموظفات.

وكنت أَهُم بزيارة مديره للاستزادة وأخذ إحصاءات وأرقام دقيقة لكل ما تقدم، إلا أن ارتباطا لاحقا منعني من صرف مزيد من الوقت. وأما السلبيات، فكان أهمها المبنى الذي لا يليق، حيث الفحص الأولي يتم من قبل الممرضة في مطبخ المبنى الذي يشغله المركز الصحي، وهو مكان ضيق جدا وتنبع منه روائح! وكذلك السجلات الورقية ونحن في العصر الرقمي، ولا أفهم إصرارنا على استخدام الورق، رغم الصعوبة والوقت والمال الذي نصرفه في شراء الملفات والأبواك والأقلام إلى آخر المستلزمات القرطاسية المعروفة والمكلفة، التي يمكن أن يستعاض عنها بأجهزة كمبيوتر لعمل ملفات رقمية للمرضى، وتستخدم من قبل الأطباء والصيدلية تماما مثل المستشفيات وهو أمر غير مكلف.

هذه المراكز بهذه الإمكانات يمكن أن يتم تحسينها بإضافة تخصصات مثل: العيون والأذن والأنف والحنجرة وإشاعة وجهاز لتخطيط القلب، وبهذا يمكننا توفير كثير من الجهد والوقت على المرضى، والأهم تخفيف الضغط على المستشفيات.
إذا فعلنا ذلك سنعمل على بث الحياة في مراكز الأحياء، بحيث يكون للمواطن سجل طبي رقمي تماما مثل المستشفيات الكبيرة، وفيه مرافق ذات جودة إنشائية واحترافية في التعامل مع الحالات التي تصل إليه.

حديثنا هنا اليوم يتركز على المراكز الصحية ولهذا نسأل: لماذا لا يتم تحسينها؟ عدد المراكز الصحية الموجودة على طول البلاد وعرضها كاف، ونحتاج فقط إلى تحسين مستواها لنوفر الوقت والجهد على المرضى، ونخفف الضغوط المتزايدة على المستشفيات من قبل مرتاديها، فمعظمهم يرتادها لأسباب تستطيع المراكز الصحية الوفاء بها. هل لاحظتم الزحام الشديد في المستشفيات العامة؟ لا تكاد تجد طريقا في الممرات دون أن يصطدم كتفك بكتف أخرى. هذا الاحتشاد اللافت للنظر يقول لنا أشياء:

أولا يلاحظ أن المراجعين للمستشفيات الكبيرة يدخلون المستشفى لأسباب كثيرة لا تحتاج مراجعتها إلى المستشفيات الكبيرة، وهذا خلل كبير يشغل العاملين في المستشفيات الكبيرة التي يجب أن تفرغ كل إمكاناتها للأمور التي تستحقها فعلا.

فقد الثقة في مراكز الأحياء على الرغم مما يصرف عليها من مال وجهد مشكلة لا بد من حلها. لا بد من تفعيل تلك المراكز بشكل يتم فيه فتح ملفات لتسجيل سكان الحي، ودعمه بالطواقم الكافية للحالات الطارئة والأمراض التي لا تتطلب خدمات صحية متقدمة، بدرجة نعيد الثقة فيها إلى المواطن ونجعل الجمهور يتجه إليها لمعالجة تلك الأمراض، ومن تثبت حاجته إلى خدمات صحية متقدمة، يتم تحويله إلى المستشفى المناسب أو حتى للعلاج خارج المملكة.

يا أحبتي، لماذا لا نعمل كما يعمل الآخرون، فالأمر ليست فيه صعوبة ويقلل من التدافع المحموم غير المبرر على المستشفيات الكبيرة. في دول العالم إذا شعرت بألم تذهب إلى طبيب العائلة في مكان يشبه المراكز الصحية لدينا التي أظن أنها أنشئت على غراره. حتى العمليات البسيطة إزالة التهاب أو عملية خراج أو ضمادات بكل أنواعها تتم في تلك المراكز، إضافة إلى علاج الأمراض الشائعة البسيطة.
هذا يوفر علينا كثيرا من الجهود، ويجعل خدماتنا الصحية تبدو عالية المستوى.

حدثني صديق أنه حاول الحصول على سرير بشكل عاجل في مستشفى خاص أو عام كبير أو صغير لحالة طارئة لقريبة له، فلم يجد إلا بتدخلات مسؤولين وبعد يومين من بحثه. وآخر أقسم أن إسعافا دار بقريبة له على كل المستشفيات حتى تدنت حالتها وفقدت الوعي!

وقد تكون لكل منكم قصة. المطلوب الآن كخطوة أولى بث الحياة في مراكز الأحياء حتى تحصل على ثقة المواطن، بحيث يكون له سجل طبي ومرافق ذات جودة إنشائية واحترافية في التعامل مع الحالات التي تصل إليه كما ذكرنا سابقا، وطلب زيارة أخرى وتوثيق كل ذلك في السجل لمتابعة الحالات.

هنا نستطيع أن نخفف العبء على وزارة الصحة بالمطالبات والاستمرار في بناء صروح صحية كبيرة وكثيرة، قد لا نحتاج إليها جميعها في حالة تم تفعيل مراكز الأحياء. صحيح أن هناك زيادات في أعداد السكان، لكن المطالبات بإنشاء مرافق صحية بالشكل الذي نسمعه ونراه سببه لجوء الناس جميعهم إلى تلك المرافق، لأن الثقة مفقودة تماما في مراكز الأحياء التي تدعو بعضها إلى الشفقة.

تفعيل دور مراكز الأحياء يمكنه مباشرة من تولي الحالات الطارئة بشكل أولي إلى أن تصل إلى المستوى الطبي الذي تحتاج إليه قبل فوات الأوان، فبعض الحالات لا يجب أن تتأخر عن عشر دقائق، حمانا الله وإياكم، خصوصا في المدن الكبيرة التي قد تكون فيها صعوبة لمباشرة حالات طارئة خلال عشر دقائق. إلى جانب أن مراجعة الأحياء توفر الوقت على الناس وتخفف الازدحام على المستشفيات.
خلاصة القول: إذا كانت المراكز الصحية في مقار مناسبة وتوافرت فيها الخدمات والطواقم المناسبة للحالات الطارئة والشائعة، وتفتح سجلات لسكان الحي لمتابعة حالاتهم، سنعيد الثقة على مدى فترة بسيطة إلى هذه المراكز. عندما يبدأ سكان الحي يتحدثون إلى بعضهم أن مركز حيهم يوجد في مكان مناسب وتم دعمه بطواقم مناسبة وفتحت سجلات للمرضى لمتابعة حالاتهم.
أرجو أن يعطي وزير الصحة الجديد -وهو الإداري القدير- هذه المراكز جزءا من انتباهه، وأنا واثق من تمكنه من إعادة الحياة والثقة والدور الفاعل لتلك المراكز، وسنرى أثر ذلك مباشرة. قد يكون من المناسب وجود وكالة للوزارة للمراكز الصحية ليتم التركيز وتكثيف المتابعة.

علي الخبتي

نقلا عن “الوطن”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *