الغضبة السعودية من المملكة السويدية

مملكة السويد تعالمت على السعودية، وتدخلت بفجاجة مستغربة في شؤونها، حين استنكرت وزيرة خارجيتها الحكم الصادر على رائف بدوي، مشككة في القضاء ومعاييره، ثم تمددت وتوسعت فنالت من وضع المرأة السعودية، فكان الرد السعودي حاسماً وغاضباً، حين استدعت الرياض ممثلها لدى السويد، مترافقاً مع بيان استنكاري، ثم جاء مجلس الوزراء ليضع النقاط على الحروف ويحدد شروط العلاقات وأدبيات الاتصال الدولي.

أكد مجلس الوزراء نقطة جوهرية، هي أن مبادئ الإسلام غير قابلة للمساومة، وهي المبادئ التي تستند إليها السعودية في كل تعاملاتها، ثم إن القضاء له قاعدتان أساسيتان، هما ضمان مدنية أي مجتمع وسلامة بنيته واستقرار أوضاعه، وهما: عدم مناقشة القضايا المعروضة على القضاء، وعدم التشكيك في الأحكام القضائية أو الطعن فيها، إلا عبر درجات التقاضي الثلاث القادرة على تصحيح أي خطأ، والتحقق من حيثيات الحكم الأولي. ومن يعرف التجربة القضائية في السعودية يشهد بتعدد مستوياتها الضامنة للعدالة الكاملة.

ليس مهماً أن ترتضي السويد الإجراءات القضائية في السعودية أو تطمئن إليها، فهذا شأن السعوديين وحدهم من دون العالمين، علماً بأنها مطبقة حتى على السويديين في السعودية، لأن هذا حق دولي متفق عليه ولم يسبق لدولة أن استنكرت القضاء في دولة أخرى، بل إن كل ما تفعله في حال الحكم على مواطن لها هو الشفاعة وطلب العفو فقط، لأن أي مسلك يشابه المسلك السويدي يعتبر اعتداءً فعلياً وتدخلاً يجب ردعه وإيقافه عند حده حتى لو اقتضى الأمر القطيعة الكاملة. لقد كان بيان مجلس الوزراء غاضباً وصارماً على رغم لغته المؤدبة، ما يفتح الباب لخطوات أخرى قد تصل إلى حد القطيعة إن لم تتراجع السويد عن خطئها الشنيع، ولقد أظهرت الرياض جانباً من الغضب، حين منعت وزيرة الخارجية (إياها) من إلقاء كلمة في الجامعة العربية، وهو أمر لم يثبت رسمياً، لكنه من حقوق العرب وليس السعودية فقط، فيبدو أنها كانت تنوي تعليم العرب معنى العدالة وقيمها!

قضية رائف صدر فيها حكم قضائي نافذ، مع بقاء باب العفو من الملك، لكن تدخل الوزيرة قد يضره أكثر مما ينفعه، إذ لا يمكن الاستقواء بالخارج على الداخل، ولا يمكن المساس بهيبة البلد أو التعدي على قضائه بأي شكل أو درجة، وللسعودية تجارب حاسمة سابقة مع دول غربية أبعدت سفراءها خلال ساعات، وأشهرها قضية السفير الأميركي. لتعلم السويد أن السعودية أحرص على أبنائها وأكثر رحمة بهم، ولعلها تتذكر ما حدث خلال شهر، أفرج فيه عن لجين الهذلول وميساء العمودي وسعاد الشمري، ورفع حظر السفر عن سلمان العودة، وعاد المعارض كساب العتيبي بعد صحوته.

ولتعلم أن قضاءنا فوق كل سلطة، ونخضع له جميعاً طاعة وامتثالاً، فهل تعتقد أننا نرضى أن تنال منه السويد أو غيرها؟ ولتعلم أن هيبته أساس عدالتنا، التي نرتضيها ونحتكم إليها في كل أمورنا، وهو حدنا الذي نذود عنه، ولو سكتت الحكومة لما سكتنا.

نصيحة إلى الوزيرة السويدية، أن تجلس إلى البريطانيين والأميركيين، لعلها تتعلم معنى احترام البلدان الأخرى وعقائدها وثقافتها، فالضرر يقع على السويد وليس على السعودية.

جاسر الجاسر

نقلا عن “الحياة”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *